ذكر مالك في الموطأ وغيره من أصحاب الصحاح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض (١). وروي ذلك عن ابن عمر وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، على حسب ما تقدم إيراده في الحديث عن أبي هريرة مَذْكُورٌ هذا النهي مع النهي عن أنواع غيره. وعن ابن عمر مذكور النهي عن هذا خاصة.
وهذا راجع إلى ما تقدم من النظر في مصلحة الخلق ونفي الضرر عنهم. وفسره مالك بأن المراد به النهي عن أن يسوم أحد على سوم أحد تقدمه إذا كان البائع ركن إلى السائم الأول ومال إلى البيع منه. وأشار إلى الاستدلال على هذا الركون والميل بأن يأخذوا في ذكر وزن الذهب، وتبري البائع من العيوب، إلى غير ذلك مما في معناه من الدلالة على الركون من البائع إلى المشتري. فإذا حصل التراكن صار السائم آخِرًا مفسدًا على الأول، ومضرًّا به.
ومبنى هذه الأصول، التي قدمناها، على المصلحة ونفي الضرر. وقد كنا أشرنا إلى أن التلقي للركبان، وإن كان التلقي إنما يحصل بين رجلين الجالب ومن يلقاه ليشتري منه، فإنه ينضاف إلى هذا الإضرارُ بأهل السوق، فتأكَدَ المَنعُ. وها هنا يقع الإضرار بالسائم أوَّلًا خاصة. والإضرار يُمنع منه، وينهى رجل أن يضر رجلًا وقد تعلق للسائم أوَّلًا حق بهذا المبيع حتى لم يبْقَ بينه وبين صحة ملكه إلا العقد، فينبغي أن يُمنع السائم الثاني من إبطال ما صار لهذا من حق، لكونه الغالبُ في حالِهِ حصولُ الملك له، كما منع المريض من هبة سائر ماله لمَا تعلق للوارث به من حق، لكون الغالب أنه يصير إليه عن قرب إذا وقع الموت من المرض الذي وقعت الوصية فيه.
وخص مالك هذا النهي بحصول التراكن، وإن كان الحديث عامًا لم