كما اقتضاه النهي الوارد عن التصرية، فإنه، مَع نهيه عنها، أشار إلى منع فساد العقد وفسخه. ووقفت، لابن الجهم في شرخه مختصر ابن عبد الحكم، على كون هذا البيع مكروهًا. والإشارة إلى منع كونه محرمًا ما يذكر فيه وفي التلقي أن هذا إنما كان في أول الإِسلام، وأما الآن فلا يَرِد جالب إلا على بصيرة من الأسعار، فينبغي أن يكرهَ التلقي وبيع حاضر لباد. وأما التحريم فلا يجوز، ولو وقع البيع فيهما لمضى (١). وهذا على أصله في كون هذين مكروهين يتضح فيه معنى الفسخ.
وقد أشار الشيخ أبو محمَّد بن أبي زيد إلى اختيار أحد القولين في التلقي، وهو الفسخ لكونه إذا فسخ حصل لأهل السوق المنفعة بما فسخنا التلقي فيه.
وأما بيع حاضر لباد فلا يفيدهم الفسخ لأن البدوي لما باع له السمسار عرف السعر فهو لا يمكن غبنه. وإذا كانت العلة في الحديث طلب الاسترخاص منه، وهو ها هنا يتعذر لعلمه بالسعر الذي باع له به الحضري، لم تكن فائدة في الفسخ.
وإذا قلنا بمنع الفسخ فإنه لا بدّ من زجر الحاضر الذي باع للبادي. فأما ابن وهب فإنه اقتصر على زجره. وأما ابن القاسم فإنه قال: يؤدب.
وهذا اختلاف منهما في مقدار الاجتهاد في إنكار هذا الفعل، وإن قلنا بالكراهة، كما قال ابن الجهم، حسن ما قال ابن وهب من الاقتصار على الزجر دون إيقاع الأدب.
قال القاضي أبو محمَّد رضي الله عنه: وأما ما يرجع إلى الحال، كبيع الإنسان على بيع أخيه الذي ركن إليه وقرب اتفاقهما، فإن العقد يفسخ، على نحو ما ذكرنا في النكاح.
قال الشيخ رضي الله عنه: يتعلق بهذا الفصل ثلاثة أسئلة.
١ - أحدها أن يقال: ما الدليل على المنع من دخول سوم على سوم؟.