على أصل مذهبنا، لا من جهة أخذ الحديث ولا من جهة طلب تعليله، فإن الاسترخاص يحصل إذا لم يتولّ الحضري البيع للبدوي، غير ملتفت في هذا إلى كون بيع الحضري وقع لسؤال البدوي له، أو لسؤاله هو للبدوي.
وأيضًا فإنه إذا اشتهر عند البدو جواز البيع إذا سألهم أهل البدو، ومنعه إذا كانوا هم السائلين لأهل البدو. وعاد كل من قدم من أهل البدو يسألون السماسرة فتفسد هذه المصلحة التي اعتبرها الشرع.
فنحو هذا عندي يرد على الأبهري في مسألة أخرى. وذلك أن المعروف من مذهب مالك وأصحابه أن الحضري يمنع أن يبيع للبدوي ما أتاه به بنفسه،
أو ما أرسله إليه مع رسوله. وحكى القزويني عن الأبهري أنه يقصر النهى على ما أتى به البدوي بنفسه. وأما ما بعثه مع رسوله فإنه يجوز للحضريّ أن يبيّعه.
وهذا لا وجه له لكون الحديث وتعليله يقتضي المساواة بين ما أتى به البدوي بنفسه، وما أرسله إلى الحضري. مع كون هذا إذًا اشتهر عاد أهل البدو يرسلون ما يبيعونه، حذرًا من أن يغبنوا، فتفسد المصلحة. وهذا كما قيل في الانتصار عندنا لأحد (١) الصناع: إنهم إذا اشترطوا ألّا ضمان عليهم في ما يصنعونه، فإن الشرط لا ينفعهم، لأنهم لو نفعهم لاشترطه كل صانع فتفسد المصلحة التي لأجلها ضمن الصانع.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال:
إذا تقرر هذا، ووقع البيع، فهل يفسخ أم لا؟ الظاهر من المذهب عن مالك وغيره من أصحابه أنه يفسخ. لأنه عندهم بيع محرم. والنهي عن الشيء على جهة التحريم له يقتضي فساده. وقال ابن عبد الحكم: إنه لا يفسخ، وقد تقدم، في ما سلف لنا مرارًا، التنبيه على هذا الأصل. وذكرنا خلاف أهل الأصول فيه، والتفات بعضهم إلى كون النهي يرجع إلى حق الخالق، فيدل على فساد المنهي عنه، أو يرجع إلى حق المخلوق، فلا يدل على فساد العقد،