مقتضى قول أحد الخصمين. مثل أن يدّعي بعشرة أرادب قمحًا فينكرها، ثمّ يصالحه على عروض إلى أجل، فإنّ ذلك على قول المدّعى عليه لا حرج فيه، لأنّه يزعم أنّ دعوى المدّعي باطلة، وإنّما التزم عروضًا إلى أجل وقاية من شرّ المدعي وطلبه له بطلب اليمين. وذلك على قول المدعي لا يجوز، لأنّه يعتقد أنّ الّذي له في ذمّة المدّعى عليه دراهم أو طعامًا ففسخه في عرض أو في طعام إلى أجل. فها هنا يمكن أن يقول أصبغ: إن هذا لا يفسخ لكونه لا حرج فيه على المدّعى عليه.
ورأى بعض الأشياخ إصلاح هذا الفساد بعد إمضاء الصّلح، بأن يأمر ببيع العروض إذا قبضت لمّا حل أجلها، فإذا صارت ثمنًا اشترى من ذلك الثّمن ما ادّعاه المدعي، فإن قصر عنه كان جائحة عليه، وإن أربى على ما ادعاه ردّ ما فضل من الثمن للمدّعى عليه، لكون المدعي يقرّ أنّه قد وصل إليه جميع ما ادّعاه فلا حقّ له في الفضلة. وهذا الّذي قاله احتياط لحق الله، سبحانه، في المنع من الوقوع في الحرام الّذي نهى عنه، مع التلطّف في وصول المخلوق إلى حقّه. وهذا لم يشترطه أصبغ في إمضاء الصّلح على الحرام. ولعقه منعه من سلوك هذه الطريقة أنّ فيها ظلمًا على المدّعي. لأنّه يقول: مقتضى هذا الرّأي أن يحال بيني وبين هذه العروض قبل أجلها, لكونكم شرطتم تأخيرها إلى الأجل لتباع، وأنا لم أرض بإسقاط اليمين إلَاّ على تملك هذا الّذي صالحته عليه تملّكًا لا حجر فيه عليّ، ولا يلزمني ركوب المشقّة في بيعه واقتضاء ثمنه.
فإن روعي حقّ الله، سبحانه، فينبغي أن يراعَى حقي في ألاّ ألتزم خلاف ما دخلت عليه. فيقتضي هذا فسخ هذا الصّلح بهما قاله بعض أصحاب مالك.
فإذا تقزرت هذه الأقسام، فالمسألة التّي ذكرناها عن المدوّنة وجّه الأشياخ مذهب من منع من الصّلح على تأجيل بعض الدّراهم المدّعى فيها لكون ذلك يقتضي سلفًا جرّ منفعة. ووجه المنفعة في هذا كون المدّعى عليه قد يحلف فيبرأ، وقد يردّ اليمين على المدّعي، فيكره اليمين، فيُسقِط ما كره من ذلك بتأجيل ما يقول: إنّه دين حال. ويصير التأجيل سلفًا منه. والمنفعة الّتي