للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدّيّة لا يصحّ فيها هذا التقدير، إذ لا يملك الأولياء أخذ الدّيّة بغير رضي القاتل. فإنّهم لا يتعيّن ملكهم له دون ما سواه، بل هم مخيّرون بين أخذ الدّيّة أو القتل. وإنّما هم قادرون على أن يملكوا هذا المال الذي هو الدّيّة. ومن قدر أن يملك مالًا فلا يعدّ مالكًا، على إحدى الطّريقتين عندنا.

لكن إنّما يقوّي هذا التّخريج عند من خرّجه كون ابن القاسم لا يرى الدّيّة تؤخذ إذا أبى منها القاتل. مع كون هذا الّذي ذهب إليه يبعد كون العبد إنّما أخذ عن مال. ثمّ مع هذا قال: إنّ أحد الوليّين يدخل مع الآخر في هذا العبد. فدلّ ذلك على أنّ هذا الّذي أشرنا إليه من القدح في هذا التّخريج لا يلتفت عنده إليه. وقد أغلى الشّيخ أبو إسحاق في صحّة هذا التخريج بأنّ العافي عن الدّم أفسد الدّم على أخيه، وأخذ عوض هذا الإفساد مالًا أوْهَنَ به الذّمّة. وأنكر احتجاج من قال في المدوّنة أنّه لا يدخل أحد الوليين على الآخر فيما صالح به عن العفو عن الدّم. كما لا يدخل أحد الشّريكين على شريكه في عبد باع نصيبه منه، لكون الشّريكين في العبد لم يدخل أحدهما على الآخر شيئًا، ولا أخلى ذمّة مشتركة. بخلاف صلح أحد الوليّين الّذي أفسد بصلحه المال وأوهن الذّمّة.

وقد ذكرنا ما يمكن أن يقال في منع هذا التّخريج. لا سيما وأشهب يجيز العفو عن دم العمد، وإن وقع في المرض على ما سنبيّنه فيما بعد.

وأمّا المسألة الثّانية فهي ما ذكر في كتاب السلم في المدؤنة في رجلين أسلما إلى رجل في طعام فأقاله أحدهما منا نصيبه، فإنّه أجاز ذلك. قال: ولا حجّة لشريكه عليه في ذلك. فنفى ها هنا دخول الشّريك على شريكه في الدّيون المشتركة. لأنّهما قد استحقّا جميع هذا الطّعام في ذمّة الغريم. فأخذ أحدهما عوضه وهو رأس ماله فيه. وذلك أيضًا مِمّا يوهن الذّمّة ويضعفها. ثمّ مع هذا لم يجعل لشريكه مشاركة فيما أخذ. والمذهب فيمن أخذ عين حقّه في الدّين أو أخذ عوضًا عنه، فإنّ لشريكه مشاركته في ذلك إذا لم يستأذنه. ولهذا أنكر سحنون هذه المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>