ويمكن أن يلدّ عن الخروج اعتقادًا منه أنّه يدخل معه فيما اقتضى. ولهذا تأوّل من ذكرنا من المتأخّرين ما وقع في المدوّنة على أنّ الشريك الذي استؤذن رضي بأن ينفرد هذا بالاقتضاء. وأشار إلى ثبوت ذلك ووقع منه نطقًا أو مفهومًا.
لكن أشار ابن القاسم في هذه الرواية إلى تعليل آخر، وهو كون هذا الشّريك لو رفع الأمر إلى القاضي، ما فعل القاضي أكثر مِمّا فعله هذا المقتضي لحقّه. وأجرى فعله مجرى فعل القاضي. وقد وقع في المذهب فروع تنبّه على الاختلاف فيمن فعل فعلًا لو رفع للقاضي، لم يفعل سواه، هل يحمل فعله محمل فعل القاضي أم لا؟ وهذا الّذي نحن فيه منه.
وأمّا إن اقتضى دون أن يُعلم شريكه ويُعذر إليه في الخروج بالاقتضاء، فإنّ المعروف من المذهب أن شريكه يدخل معه فيما اقتضاه. وهذا لما قدّمناه من كون الدّيون التي في الذمّة حقّ كل واحد منها غير متميّز في الذمة من حق صاحبه، كعرض مشترك بينهما متى تصرف فيه أحدهما بشيء كان لصاحبه أن يجيز فعله ويشاركه في التّصرّف الّذي تصرف فيه.
لكن حاول بعض المتأخّرين أن يجعل في هذا قولًا آخر، وجعل المذهب على قولين. وخرّج هذا من مسألتين. إحداهما ما ذكر في المدوّنة، فيمن قتل رجلًا عمدا وله وليّان، فصالح أحدهما من حقّه في الدّم على عبد، فإنّه قال: يدخل الوليّ الآخر معه في هذا. قال: وقال غيره: لا يدخل معه. فأشار إِلى أنّ قول الغير: لا يدخل معه. يقتضي ألاّ يدخل معه في سائر الدّيون الّتي اشتركا فيها إذا انفرد أحدهما باقتضاء شيء منها في نصيبه.
وهذا التّخريج قد يقدح فيه بأنّ دم العمد ليس بمال، لا سيما على أحد القولين في أنّ أولياء القتيل ليس لهم إجبار القاتل على أداء الدّيّة. وإنّما تؤخذ الدّيّة بالتّراضي من القاتل وأولياء القتيل، والدّم الّذي تعلّق حقهم به ليس بمال ولا يقدرون على تصييره مالًا إلاّ برضا القاتل. ولا يشبه الأموال المحقّقة التّي في الذّمم، وهي مشتركة بين شريكين، يكون من حقّ أحدهما أن يمنع الآخر من عيب هذه الذمة ووهنها وتعريضها للفقر بما يقتضي منها مّما هو مشترك بينهما.