للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرًّا وعفا الحرّ القتيل قبل موته عن هذا العبد. فإنّ أشهب قال: يكون عفوه هذا في ثلثه. خلافًا لِمَا ذهب إليه ابن القاسم في هذا من مساواته بين كون القاتل حرّا أو عبدًا. فإنّه يرى أنّ عفوه ينفذ. وقدّر بعض الأشياخ أنّ هذا كاختلاف قول من أشهب. وأشار إلى أنّه لا يتحقّق فرق بين كون القاتل على جهة العمد حرًّا أو عبدًا، كما ذهب إليه ابن القاسم. وعندي أنّه قد لا يلزم أشهب هذا لكون جناية العبد متعلقة برقبته إلاّ أن يفديه سيّده. وكأنّه خرج بالجناية من ملك سيّده إلى ملك المجنيّ عليه حتّى يستردّه سيّده إلى ملكه بانفراد، على ما سنبسط هذه الإشارة في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى. وهذا حقّ متعلّق بعين يقدّر أنّ ملكها زال عن سيّد العبد، فهو بخلاف ديّة معلّقة بالذمم وليسمت بعين موجودة حتّى يقدر فيها انفصالها عن ملك مالكها. وذكر في المدوّنة في هذا الكتاب أنّ اجتماع جماعة على قطع يد رجل محمدًا يوجب له قطع يد كلّ واحد منهم.

وكذلك الجماعة إذا تعاونوا على قتل نفس محمدًا، فإنّه يوجب لأولياء القتيل قتل جميعهم. وقد يقال ها هنا: إنّ الجماعة إذاْ تعاونوا على إخراج مال من الحرز، فإنّه لا يقطع جميعهم إذا لم يبلغ ما أخذ كلّ واحد منهم ربع دينار. إلاّ أن يكون ما أخرجوه لا يقدر على إخراجه من حرزه إلاّ باجتماعهم. ومقتضى هذا أن يشترط في اجتماع جماعة على قطع يد رجل لا يقطع جميعهم إذا كان كل واحد منهم لو انفرد، لقدر على قطع يده. لكن هذا لم يشترطه أهل المذهب، وما ذلك إلاّ لأنّه لا يتحقّق قدرة أحدهم على قطع يد هذا إلَاّ باجتماعهم، لأنّه وإن كان كل واحد منهم أقوى من المقطوع يده، فإنّه يمكنه الفرار منه والتحيّل عليه بما لا يمكنه من الفرار والتحيّل مع اجتماع الجماعة عليه. ولو قتل رجل رجلًا له وليّان فعفا أحد الوليين عن دم وليّه وصالحه الوليّ الآخر، فإنّ العافي لا مقال له في الدّم ولا فيما أخذ في الصّلح. لكن لو قتله الولي الّذي لم يصالح، لاسترجع حن المصالح ما أخذ. هكذا ذكر ابن القاسم. فلعلّه قدّر أنّ القاتل إنّما بذل ما بذل بشرط بقاء حياته وألاّ يقتل. فإذا حصل القتل من جهة غير الّذي عما وصالح، فإنّ الصّلح يبطل ببطلان المقصود بهذا الصّلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>