للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكر في هذا الكتاب من المدوّنة أنّ الجريح إذا صالح الجارح على مال فمات من جُرحِه، أنّ لأولياء القتيل أن يردّوا ما وقع الصّلح عليه ويقتلوه بقسامة، ولهم أن يتمسكوا بالصّلح ويسقطوا القصاص. قال في الكتاب: وليس من حقّ الجارح أن يقول: ردّوا على ما دفعته في الصّلح واقتصوا منّي بأن تقتلوني، لأنّ هذا مِمّا لا منفعة له فيه. وإنما ينظر في هذا لو كان الجرح خطأ فوقع الصّلح عنه. فهل يكون من حقّ المصالح أن يستردّ ما صالح عليه لكون الدّيّة على عاقلته، فيستفيد برد الصّلح سقوطَ الغرامة عنه واسترجاع ما دفع أم لا، لكون هذا الصّلح قد رضي به على الإطلاق؟ أو يقدّر إنّما رضي به ظنًّا منه أنّ الغرامة تختصّ به دون عاقلته؟ وقد اختلف في جواز الصّلح عن هذا الجرح وعن ما يتناهى إليه. فأجيز ذلك لكون الغرر في هذا ليس كالغرر في المعاوضات الماليّة. أو يمنع لما فيه من الخطر. وهذا يستقصَى في موضعه إن شاء الله تعالى.

وذكر في المدوّنة في أحكام الصّلح عن اللّماء الصّلح عن موضحتين، إحداهما عمد والأخرى خطأ، وأعاد ذكر الصّلح عن ذلك في كتاب الشّفعة.

وكتاب الشّفعة أحقّ به. ولهذا نعيده هناك بأبسط ما نورده ها هنا. فذكر في الكتاب قولين في ماذا يقع الاستشفاع به. فحكى عن ابن القاسم أنّه إذا أوضح رجل رجلًا مُوضِحتين، إحداهما عمد والأخرى خطأ، فصالح الجارح المجروح عنهما بشِقص من دار، أنّ الشّفعة تكون بديّة (١) موضحة الخطإ، وهي خمسون دينارًا، وبنصف قيمة الشقص. وذكر عن المخزوميّ أنّ الشفعة تكون بخمسين دينارًا ما قابل موضِّحة الخطإ، وبقيمة ما قابل موضحة العمد من هذا الشّقص.

وذلك يعرف بعد التّقويم للشّقص ونسبة ديّة موضِحة الخطإ إلى ما أخذ عن ديّة العمد. فإذا قوّم جميع الشّقص بمائة ديتار، مثلًا، وقد علم أنّ دية الخطإ خمسون دينارًا، فإنّا ننسب ديّة موضِحة الخطإ مِمّا وجب ها هنا في موضِحة


(١) في المدنية: بقيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>