للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القيام بالبيّنة مبطل عقد المعاوضة [ويبقى منعقدًا] (١) والشّرع يلزم عقود المعاوضة إلَاّ عند أمر يوجب حلّها. وقد أخذ ما أخذه في الصّلح ليتصرّف فيه وينتفع به، فلم يمكن من ردّه بعد ذلك لأجل ظهور بيّنة لم يعلم بها. ولهذا كان له القيام ببيّنة لم يعلم بها إذا استحلف خصمه. لأنّ استحلافه له ليس بمعاوضة ولا تصرف في ملك أخذ على جهة المبايعة. فلهذا كان له أن يقوم بالبيّنة الّتي لم يعلم بها. وكان قيامه ببئنة لم يعلم بها بعد الصّلح فيه الخلاف المذكور. وقد قال سحنون فيمن أقرّ في السرّ وجحد في العلانية وقال للمدّعى عليه: أخّرني وأقرّ لك، فأشهد المدّعي في السرّ أنّه إنّما يصالحه لإنكاره، وأنّه متَى وجد بيّنة قام بها، فإنّ الصلح لا يلزمه إذا ثبت جحوده وثبت أصل الحقّ. والظّالم أحق أن يحمل عليه. فأشار إلى أنّه متى اشترط في السرّ قيامه ببيّنة يجدها، فإنّه يمكّن من ذلك. وأمّا إن كان عالمًا بها وهي حاضرة يمكنه القيام بها فعدل عن ذلك إلى الصّلح، فإنّ الصّلح لازم ولا قيام له بهذه البيّنة إذا كان قد صرّح حين الصّلح بأنه قد ترك القيام بها. وإن لم يصرّح بذلك، فقد علم أنّ المذهب على قولين فيمن استحلف خصمه وهو عالم بحضور بينة تحقّق دعواه، هل يكون مجرد علمه بها دلالة على تركها؟ أو لا يكون ذلك دلالة فيكون له القيام بها؟ وأشار بعض المتأخرين إلى كون هذا الخلاف ثابتًا في مسألة الصّلح، كما يثبت في مسألة الاستحلاف على ما تقدّمت إشارتنا إليه. وأشرنا إلى كون الصّلح والمعاوضة أعلى درجة في هذا وأبعد في الفسخ من الاستحلاف خاصّة، لكون الاستحلاف ليس بمعاوضة فيه، ويقدَّر المستحلف بأنّه اعتقد أنّه لا يحلف ويغنيه عن البيّنة، أو أراد إشهاره باليمين الكاذبة. ولا يتصوّر مثل هذا في الصّلح الّذي طريقه المعاوضة.

وأمّا إن كانت البيّنة الّتي علم بها بعيدة الغيبة فصالح، فإنّه إن اشترط في الصّلح أنّه متى قدمت قام بها وأعلن بذلك، فإن له القيام بها, ولم يختلف


(١) هكذا في النسختين ولعلها أو يبقى منعقدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>