للضرورة والرفق، وبالصحابة رضي الله عنهم حاجة إلى بيان حكمها، وكون القبول واجبًا عليهم، فلو بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لاستفاض فيهم واشتهر، فلما لم يذكر عنهم الذهاب إلى ذلك اقتضى أنه أمر لا يُلزِم، وإنما هو مستحب، والمندوبات لا تشتهر اشتهار الواجبات.
وقد نَبَّهناك على ما تقتضيه أصول الفقه في هذه المسألة.
وأما اعتبار رضي المحال عليه فإنه غير معتبر عند مالك والشافعي وأبي حنيفة، بل يجبر على دفع الدين الذي عليه لمن أحيل به عليه.
لكن مالكًا رضي الله عنه اشترط في ذلك ألاّ يكون المحال عدوّا للمحال عليه. ولم يذكر عن الشافعي وأبي حنيفة اشتراط ذلك. وذهب الاصطخري إلى أنه يعتبر رضاه بقبول الحوالة عليه كما يعتبر رضا المحيل، ولم يفرق بين محيل ومحال عليه. ويعتموإلاصطخري على أن من حق المحال عليه ألا يدفع إلا لمن يستحق الدين عليه في أصل المعاملة؛ لأنه يعتل بأن له منفعة في الامتناع من الدفع إلى المحال عليه لكون مستحق الدين أوّلًا سَمْحًا في اقتضائه متجاوزًا في استيفائه، فليس له أن يقطع هذه المنفعة عمّن عليه الدين بأن يسلِّط على الاقتضاء منه من هو عليه غليظ في الاقتضاء.
والمعتمد في الردّ عليه الاتفاق على أن من له دين على رجل له أن يوكل عليه ولا يمنع من الوكالة. ولا يعتبر في هذا المعنى الذي اعتبره الاصطخري.
وأيضًا فإنه إنما حقُّ من عليه دين البراءة منه لا أكثر من ذلك، فإذا وكل عليه فقبضه الوكيل فقد برئ الغريم. وكذلك إذا أحيل عليه به فدفعه للمحال عليه.
ولكن اشترط مالك ألا يكون المحال عدوًّا لمن أحيل عليه لكون العداوة إذا ثبتت علم أنه قصد الإضرار والتشفّي من العدو وإيصال الأذى إليه بكل ما يقدر عليه، ولهذا رُدِّت شهادة العدوّ على عدوّه لحصول التهمة في قصد الأذى بالشهادة.
وإنما يعرض في هذا إشكال؛ لو استدان رجل من رجل دينًا، ثم حدث بينهما عداوة بعوإلاستدانة، فهل يمنع من له الدين من اقتضاءِ دينه لنفسه لئلا