يبالغ في الاجتهاد في اقتضاءٍ يؤدي عدوَّه به أم لا؟ هذا مما أشار ابن القصار إلى تردد فيه: هل يمنع من الاقتضاء بنفسه، لوجود العلة التي قدمنا في منع حوالة العدو على عدوه، ويؤمر بأن يوكل غيره، أو يمكَن من الاقتضاء بنفسه لأنها ضرورة سبقت العداوة؟ وقد وقعت المعاملة على أن من له حق فإن له أن يقبضه بنفسه، ولا يلزمه أن يوكل عليه ويخرجه من ذمة إلى أمانة يؤتمن الوكيل عليها.
وكأن إشارته تقتضي ميله إلى أن لا يمكَّن من الاقتضاء بنفسه.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال:
قد بيّنا أن الحوالة رخصة مستثناة من نبيه (١) - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الدين بالدين،
وعلة الرخصة الحضّ على المعروف والرفق، كالعرايا على حسب ما تقدم بيانه.
وهذا يقتضي أنها إذا خرجت عما قصد بها من الرفق والمعروف مُنِعَتْ. وهي تخرج عن ذلك باختلاف أجناس البيوع، وباختلاف أنواعها بالجودة والدناءة، واختلاف آجالها.
فأمّا إذا كان لرجل على رجل دين، عين أو طعام أو عروض، فلما حل الأجل وطلب الطالب دينه، قال من عليه الدين: لي على فلان دين هو خلاف جنس مَالَكَ عليَّ، فتحولْ إلى ذمته، وخُذْ مَا لِي عنده من عرض عوضًا عنْ مَا لَكَ عندي من طعام أو من عين. فإن هذا، الظاهر منه أنها مبايعة، والمقصود المعاوضة وطلبُ المكايسة والمغابنة لاختلاف المنافع والأغراض في هذه الأعْراض. فمَن تحوّل عن عَرْض يستحقه إلى طعام يأخذه فما ذلك إِلاّ لكوْن الطعام عنده أشدَّ نفعًا وأوفرَ ربحًا. فلمّا خرج ذلك عن طريقة المعروف والرفق مُنِع لارتفاع علة الجواز.
وكذلك إذا اختلفت الأنواع بالجودة والدناءة، وكأن من يستحق الدين