للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ففي هذين الوجهين يرجع المحال على المحيل، وفيما سواهما لا يرجع، على اختلاف عن أصحاب أبي حنيفة في الرواية في جحود المحال عليه الدينَ هل هو وجه يوجب الرجوع على المحيل أم لا؟

وذهب محمَّد بن الحسن وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة إلى استثناء ثلاثة أوجه، اثنان منها ما ذكرناه عن شيخهما أبي حنيفة، وهو أن يموت المحال عليه مفلسًا أو يجحد الدين، أو يفلس وهو حى فيُحجَر عليه.

ونحن قد قدمنا مذهب مالك في أنه لا يرى الرجوع لأجل فليس (١) المحال عليه، حيًا كان أو ميتًا، إلا أن يكون المحيل قدْ غَرَّ المحالَ، وعلِم بفقرِه، وكتمه عن المحال.

وأما الجحود فاختار بعض أشياخنا أنه لا يوجب الرجوع عن (٢) المحيل؛ لأن المحال فرّط إذا لم يشهد عن (٢) المحال عليه، فكأنه لما قَبِل الحوالة بَرِئَتْ ذمة المحيل، وفرَّط في الإشهاد، فصار كالمتْلِف لماله بعد القبض، فمصيبة الجحود منه.

أمّا مالك فلا أعرف له نصًا في هذا، لكن ما تشير (٣) إليه، فيما بعد، في أن الحوالة كالقبض يصح أن الجحود لا يوجب الرجوع على المحيل. لكن بعض الأشياخ أشار إلى أنه لو كان المحال عليه غائبًا فلما حضر جحد الدين، فإن للمحال الرجوعَ على المحيل؛ لأنه لا يمكنه الإشهاد بالحوالة فيكونَ مفرطًا فيه، وأيضًا فإنه قد يعتذر: إنما قبل الحوالة بشرط تصديق المحال عليه بأن عليه الدين للمحيل.

فإذا تقررت هذه المذاهب، فنذكر سبب الخلاف فيها. وذلك وجهان:


(١) هكذا في النسختين، والصواب: فَلَس،
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: على.
(٣) هكذا في النسختين، والصواب: يُشِير.

<<  <  ج: ص:  >  >>