للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفقر في الباطن لا سبيل إليه، فإذا لم يغير (١) المحيل المحال، فكأنه عيب لا يعلم به، فأشبه العيب بباطن الخشب، وما في معناه، مما لا يجب ردّه بعيب ظهر فيه بعد إفساده، أما إذا علم بالعيب ودلس به فقد غرّ بمن عامله، فوجب أن يرجع عليه بحكم هذا العيب.

ومذهب مالك أيضًا أنه لا يلزم المحالَ الكشفُ عن ذمة المحال عليه قبل أن يقبض الحوالة، بل يجوز له قبول الحوالة، وإن كان شاكًا في حال المحال عليه: هل هو غني أو فقير. بخلاف شراء ديْن قد استقرّ في الذمة، فإنه لا يجوز لأحد أن يشتريه بعوض يجوز شراؤه به إلا بعد أن يكون من عليه الدين حاضرًا مقرًا، يُعرف غناه من عُدمه؛ لأن ذمته هي المشتراة، ويختلف مقدار عوضها باختلاف حال الذمة من فقر أو غنى، والمبيع لا يصح أن يكون مجهولًا، فإذا اششرى دينًا لا يُعلم حالُ من هو عليه، هل هو فقير أو غني، فقد صار اشترى أمرًا مجهولًا (من صحة البيعِ، والبيع) (٢) ليست ببيع على إحدى الطريقتين عندنا بل طريقها المعروف، فيُعْفَى فيها عن مثل هذا الغرر، لكون الغرر يعتبر كونه مقصودًا كما تقدم بيانه في كتاب البيوع.

لكن مذهبنا أنه إذا كان المحال عليه ظاهرَ اليسار، والمحيل يعلَم من باطن أمره أنه فقير لا مال له، فإن ذلك عيب في الحوالة يوجب للمحال أن يرجع عن قبولها، ويطالِبَ المحيل. هذا على أنه لو باع سلعة من رجل يظنّه مليئًا فإذا به فقير مفلس، فإن البائع ليس له فسخ البيع ولا يكون هذا كعيب في الذمة يوجب فسخ البيع، وما ذلك إلا لأن البياعات تتكرر تكررًا كثيرًا لشدة الحاجة إليها وعدم الغنى عنها في جل الناس، والكشف عن ذمة من يطلب شراء سلعة مما يشق، فلو لم يجز البيع للبائع إلا بعد الكشف عن ذمة المشتري


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: يَغُرَّ.
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: يؤثر في صحة البيع، والحوالة ...

<<  <  ج: ص:  >  >>