للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دينه ليبرأ (١) منه براءة مؤبدة. وإذا كانت الحوالة مشتقة من التحويل صارت بمنزلة إذا تحول رجل من مكان إلى مكان فقد فرع الأولَ وشَغَل المكانَ الثانيَ، فلا يقتضي هذا التفريغ الرجوع إلى المكان الذي زال عنه، فكذلك الحوالة قد أخلى ذمةَ مَن عليه دينُه، ونقل ذلك إلى ذمةٍ أخرى، فلا يعود الدين بعوإنتقاله إلا بدليل، وهم يقولون، أيضًا: إنما حولت من مكان إلى مكان بشرط السلامة، وحصول الاستيفاء، فإذا لم يحصل له الاستيفاء رجع إلى أصل حقه ورد الحق إلى محله. ونقول نحن، أيضًا: إن بأن (٢) الحوالة، وإن كانت فيها مشابهة بحقيقة البيع، فإن المقصود منها ما قدمناه من قصد المعروف بدليل أنه لو التفت إلى حقيقة البيع لجازت الحوالة بجنس من الدين على جنس آخر؛ لأن البياعات لا يشترط فيها التجانس بل يجوز بيع عبد. بعبد، وبيع ثوب (٣) ولا يجوز في الحوالة حوالة ثوب على عبد. فدل ذلك على أنها كالمسلوب منها حقيقة البيع، فلا تقاس على بيع عين بعين، كما قدمناه من قياسهم. وإذا سلبنا منها حقيقة البيع، وكان القصد إبراءَ محلّ وشَغْل آخرَ، لم يجب الرجوع عند الفلس. وأيضًا فإن الأعيان إذا وقع فيها البيع، ثم اطُلع فيها على عيب، صار ذلك كنقض في أجزاء الجميع؛ لأن من باع عبدًا فوجده المشتري مقطوع اليد، فكأنه اشترى عشرة أجزاء مثلًا، فأصاب تسعة أجزاء، والفلس عيب في الذمة، (ونفس الذمة ليست كالعيب في نفس ما حل فيها) (٤).

والشافعي إنما لم يراع تغرير المحيل بالمحال لأنه يرى أن المحال أمكنه البحث عن حال المحال عليه حتى يعلم غناه من فقره في ذلك، فصار كالراضي بالعيب الداخل عليه.

وكأن مالكًا رضي الله عنه رأى أن هذا كالعيوب الباطنة؛ لأن القطع على


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: لَبَرَأَ.
(٢) هكذا في النسختين، والصواب حذف: بأن.
(٣) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: إضافة: بعبد.
(٤) هكذا في النسختين.

<<  <  ج: ص:  >  >>