للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا سبب التنازع من أجل تأويل الحديث واختلاف الآثار.

وأمّا من جهة الاعتبار، فالنكتة فيه النظرُ في الحوالة هل هي كقبض الحق فيبْرَأُ المحيلُ براءة مطلقة، أو كالمعاوضة فلا يبرأ إلا بعد استيفاء العرض (١)؟

فعندنا وعند الشافعي أنها كالمقبوضة، فما حدث بعد (الدين فيه) (٢) من تلف فمن قابضه، فكذلك إذا فلس المحال عليه، فكأنه إنما يقدم الاستيفاء للمحال بعد أن قبض دينه من المحيل، فمصيبة ذلك عليه، كما لو قبض منه دينه ثم تلف في يديه.

ويؤكد أصحابنا هذه الطريقة: أن الحوالة كالقبض، بدليل أن الحوالة إذا كانت بدنانير في ذمةٍ، فأحيل بها على دنانير في ذمة أخرى، فإن ذلك لو لم يكن قبضًا ما جاز إلا بعد التقابض وقبل الافتراق، كما لا يجوز في الصرف الافتراق قبل القبض.

وأما أبو حنيفة وأصحابه، فيرونها كالبيع، فيجب الرجوع عند الفلس، كما لو باع عبدًا بثوب فاستُحِق العبد، أو وجد به عيب، فإنه يوجب الرجوع في العوض الذي دُفِع فيه، فكذلك الحوالة إذا ظهر الفلس وجب الرجوع في عوض الدين الذي تعذّر استيفاؤه.

فإذا علم أن الحوالة تتعلق تارة بالعين وتارة بالذمة، فوجود العيب في الأعيان يوجب الرجوع في أعواضها، فكذلك وجود العيب في الذمم يوجب الرجوع في أعواضها، وهي ذمة المحيل التي أَخَذَ عنها، بدلًا منها وعوضًا عنها، ذمةَ المحال عليه. ونحن إذا أثبتنا أن الحوالة كالقبض، والفلسُ كحدوث عيب بعد القبض، بطل قيامُهم، وهم بنوا على أن ذلك ليس كالقبض فخرجوا عليه قياسَهم. ثم أيضًا نقول نحن بأنه لو أبرأ من له الدين من عليه الدين من


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: العوض.
(٢) هكذا في النسختين، ويكون المعنى أوضح بحذف ما بين القوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>