للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبعد من الناس ليأمن من ذلك. وقد نبه على ذلك عليه السلام بقوله: تنح عني فإن كل بائلة تفيخ (١). وكان عليه السلام إذا أتى حاجته أبعد في المذهب.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: إنما نهى عن استقبال القبلة واستدبارها إعظامًا للقبلة وتشريفُ الها أن تستقبل أو تستدبر بالعورة. وتواجه بما يستره (٢) الناس بعضهم عن بعض. وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: من جلس يبول قبالة القبلة فتذكر فانحرف عنها إجلالًا لها لم يقم من مجلسمعتى يغفر له (٣). وهذا تنبيه على العلة التي ذكرناها. وذهب بعضهم إلى أن علة ذلك ستر العورة عمن يصلي إلى القبلة من الملائكة وغيرهم. وقد اختلف الناس في هذه المسألة فذهب عروة وربيعة وداود إلى جواز استقبال القبلة واستدبارها في المدائن والفلوات. وذهب أبو حنيفة إلى منع ذلك فيهما. وفصل مالك رحمه الله كما تقدم. فأجاز في المدائن ومنع في الفلوات *واحتج من أجاز ذلك* (٤) على الإطلاق بقول ابن عمر ارتقيت على بيت فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين لحاجته مستدبر القبلة، مستقبل بيت المقدس (٥). واحتج من يمنع على الإطلاق بقوله عليه السلام: لا تستقبلوا القبلة لبول ولا لغائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا (٦). ولما رأى مالك رضي الله عنه اختلاف هذين الحديثين ولم يمكن


(١) أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد حاجته فأتبعه بعض أصحابه فقال: تنح فإن كل بائلة تفيخ. النهاية لابن الأثير. ج ١ ص ١٦٣.
فاخ يفوخ. وأفاخ يفيخ الرجل فوخانًا: إذا خرجت منه ريح. القاموس ج ١ ص ٢٦٧ وشرحه ج ٧ ص ٣٢٤.
(٢) يستر -و-.
(٣) من جلس يبول قبلة القبلة فذكر فتحرف عنها إجلالًا لها, لم يقم من مجلسمعتى يغفر له. أخرجه صاحب منتخب كنز العمال ج ٣ ص ٤٤٨. وعلق عليه بقوله: رواه الطبري في تهذيبه عن الحسن مرسلًا وفيه كذاب.
(٤) ما بين النجمين ساقط من -ح-.
(٥) متفق عليه. أخرجه الستة وأحمد - ولفظ مسلم ج ٦٢ كتاب الطهارة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه رقيت على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة.
(٦) متفق عليه - روي بألفاظ متقاربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>