للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لها على الواطئ الصداق. والأصول تقتضي اعتبار حالِ من أُوجب عليه الحد، لا من وَجَب له، والصداق ها هنا إنما يجب للمرأة باعتبار حكمَ وطئها أوْلى من اعتبار حكم وطء الزوج.

وهذه المسألة إنما أوردناها ها هنا لتعلقها بما فرغنا منه آنفًا لمّا ذكرنا أن أبا حنيفة يرى أن المنافع إذا تلفت عن غير عقد ولا شيهة عقد فإن مُتلفها لا يغرِمها. ولهذا رأى أن الغلات للغاصب كما ذكرنا مذهبه. وأن الشافعي يراها للمغصوب منه.

وهكذا في أحد أقوال عندنا، أوجب مالك وأصحابه في وطء المستكرهة الصداق، وإن كانت منافع الفرج قد أتلفها الواطى من غير عقد نكاح ولا شبهة نكاح.

وأبو حنيفة يعتمد على ما ذكره أهل الأصول في كتبهم من أن التعليل والقياس إذا أدى لفساد الوضع لم يقبل، كما كنا قدمناه في كتاب الطهارة من أن من يرى تكرير مسح الرأس، قياسًا على الوجه، فإنه لا يصح له هذا القياس، لأجل أن الرأس فُهم من الشرع أنه خفّف الحكم فيه بأن جعل في الوضوء مسحه، والوجه غسله، وتكرير مسحه قياسًا على الوجه تثقيل، ولا مناسبة بين التثقيل والتخفيف في حكم واحد، وما هو في معنى الحكم الواحد. وكذلك في مسألتنا، فيقول: إن الحد يرتفع بالشبهات، وضمان الاتلافات يجب بالشبهات، فلا يجتمع في حكم واحد ما يثبت بالشبهة وما ينتفي بها، فالحد يدرأ بالشبهة، والضمان يثبت بالشبهة، فلا يصح اجتماعهما في مسألة واحدة. وقد اشتهر الحديث الصحيح بأنه عليه السلام "نهى عن مهر البغيّ" (١) بتشديد الياء، ويروى بتخفيفها، والمراد بهذا النهي عن مهر الزنى.

والجواب عن هذا أن الزنى في مسألة المستكرهة في حق الواطئ لا في حق الموطوءة، لأنها ليست بزانية، ودليل ذلك سقوط الحد عنها، ونهيه عليه


(١) جزء من حديث. انظر: فيض القدير: ٣٢٨:٦ حد ٩٤٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>