للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحتاج أيضًا إلى زاد يستعده لها وهو صلاح دينه.

فأمّا صلاح الدنيا وتدبيرها، فلا خلاف أنه معتبر في حقيقة السفه والرشد.

واختلفت عبارات أهل المذهب عنه:

فقيل: هو إحراز المال وصيانته عن التلف والتبذير.

وقيل: يضاف إلى هذا كون المالك له يحسن تثميره وتنميته.

وينظر فيهما: فإذا اجتمع في تدبير دنياه كونه محتاطا على المال صائنا له عن التلف والتبذير، وكونه منميا له ومثمرا له، لكونه يحسن التجر به ويتحرز في المعاملات من الغبن المتلف له، فإن هذا هو حقيقة الرشد من تدبير الدنيا بلا خلاف.

فإن انحلّ أحد الوصفين، فإن كان الانحل الذي جهة إمساكه وصيانته وحفظه، حتى يعتقد فيه أنه إذا سلم إليه أضاعه وأتلفه، فإنه لا يسلم إليه بلا خلاف على الجملة عندنا وعند الشافعي، على حسب ما قدمنا ذكره فيما سلف.

وإن كان انحلاله من ناحية كونه لا يحسن التجر به، فهذا الذي اختلفت فيه اشارات المذهب: فكأن من اعتبر هذا الوصف. اعتقد أن المال إذا أمسكه للإنفاق خاصة من غير أن ينظر في تنميته، ويعرض عنها مع تأتّيها وإمكانها لِهَوان المال عليه، فإن ذلك يُفني المال ويلحقه بمن لا يحسن صيانة المال وحفظه. وكأن من ذهب إلى كون هذا الوصف لا يشترط يقول: إنا إذا منعناه من المال، وأقمنا له قابضا له، فإنه لا يلزم القابض للمال، من أب أو وصي أو مُقام، أن يتجر له به، وإنما تلزمه صيانته عليه وحفظه من التلف.

فإذا استوى الحال بينه وبين من يكلف حفظ هذا المال، كان إبقاؤه في يد مالكه أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>