للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا ينبغي عندي أن يلتفت فيه إلى اختلاف حال كثرة المال وقلته، وتحقق الفائدة فيه، وقوة الظن بحصولها وضعفه.

فإذا كان المال قليلًا يفنيه الإنفاق عن قرب، ووجد من ينميه حتى يربح ما يحفظ رأس المال، ويكون المُقام يحسن التجارة فيأباه، فإنه لا يسلم إليه لأن هذا عنوان فساد تدبيره. وكذلك إن كان جاهلا بتنميته، فإن مشاحته في عدم التنمية من غير إظهار غرض صحيح عنوان سوء التدبير.

وأما الوصف الآخر وهو حسن تدبير الدين وما يعود بصلاح الآخرة، فإن المذهب عندنا على قولين:

أحدهما أن ذلك ليس بشرط في حصول الرشد، بل يكتفى بإصلاح الدنيا، وإن أفسد أموره في الآخرة.

وقد قال ابن المواز في الرشد: هو أن يحرز المال وينميه ويكون صالحا في دينه، ولا ينفقه في المعاصي، وهكذا نص * عليه الشافعي أنه يعتبر كونه صالحا في دينه كما قال بعض أصحابنا. لكنه غلا في ذلك حتى شرط في صلاح الدين أن يكون عدلا مقبول الشهادة، وهذا فيه تضييق شديد ولا يكاد معه أن يخرج من الحجر إلا آحاد.

وأكثر سكان الأمصار في هذا الزمان لا تقبل منهم إلا شهادة آحاد وهو على غاية من حسن تدبير دنياه، لا سيما إن كانت المعاصي التي تخرجه عن العدالة وقبول الشهادة لا تعلق بينها وبين المال، ولا تأثير لها فيه، كالإكثار من الكذب، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، أو قتل النفس فإن هذه الكبائر لا تأثير لها في صيانة المال ولا تنميته، ووجودها لا يناقض علة الحجر على اليتيم كما قدمناه. لكن إن كانت معاصي تؤثر في المال، كإنفاقه في شرب الخمر والزنا وما في معنى ذلك من الشهوات المحرمات، فإن هذا يحسن الالتفات إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>