كان الحجر عن هذه الأسباب التي ذكرناها يقع، ولأجله يحكم بالحجر. فمن اشترط الحبس قدر اعتقاله في نفسه كاعتقال ماله والحجر عليه فيه. ومن لم ير ذلك، وأشار إلى اعتقال ماله والحيلولة بينه وبينه، فإنه رأى أن ذلك المقصودُ الذي يتعلق به الحكم حتى يصير المال كالمرتهن للغرماء.
وإن لم يكن الغرماء قاموا عليه ليفلسوه ولكن تشاوروا في تفليسه فاجتمع رأيهم عليه فبادر أحدهم إلى استقضائه ماله عليه من الدين لينفرد بذلك دون أصحابه الذين تشاوروا في تفليسه، فإن في ذلك قولين:
أحدهما: أن ذلك يحل محل الحجر: إذا وقع الحجر فليس لأحد الغرماء أن يأخذ من ماله شيئًا.
والقول الآخر: إن ذلك يمضي له وإن هذا التشاور واجتماع رأيهم على تفليسه لا يحل محل الحجر عليه.
وقد اختلف قول مالك في المدونة فيمن أحاط الدين بماله، فخصَّ بعضَ غرمائه بقضاء دينه، ولم يقض الآخرين، أو أرهنه رهنًا بدينه، فمرّة أمضى ذلك. ومرة ردّه. وهذا إذا كان الارتهان بدين استقر في ذمته. وأمّا إن كان رهنًا دفعه في ثمن عقد به سلعة وشرط بائعها أن يعطيه رهنًا بالثمن، فإن هذا الرهن يجري مجرى بيعه وابتياعه. وقد قدمنا أن بيعه بالقيمة يمضي من غير خلاف.
وكذلك شراؤه بالرهن المشترط في عقد بيع يحل محل الثمن الذي يشتري به سلعة ويمسكها بائعها حتى يدفع الثمن إليه.
وهذا الذي ذكرناه من اختلاف قول مالك إمضاء قضائه إذا أحاط بماله، منشأ الاختلاف فيه هل عامله الغرماء على أن يتصرف في ماله بالبيع والابتياع وفضل الديون، أم لم يعاملوه على ذلك إلَاّ بشرط أن يكون في يديه ما يُقتَضى منه جميع الحقوق التي هي عليه، فيجوز قضاؤه؟ فاتضح الأمر في العوائد على أنهم عاملوه على أنه يتصرف تصرفًا ينمي به المال لا تصرفًا يؤدي إلى نقص حقوقهم، والبيع والشراء بالقيمة لا ينقص من حقوقهم شيئًا، والقضاء ينقص من