للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه قد علم أن الماء لا يعدم أصلًا. وقد اتفق على أن عادمه في الوقت يتيمم مع العلم أنه يجده بعد الوقت. فاقتضى ذلك أن العلة تحصيل الفعل لئلا يذهب وقت الوجوب فينتقل الفعل عن كونه أداء لكونه قضاء. وإذا كانت العلة هذه، وجب أن يتيمم في مسألتنا. لأنه إن لم يتيمم أوقع الصلاة قضاء، وقد أخبرنا أن إيقاعها بالتيمم أداء أولى من إيقاعها قضاء بالماء.

وأما ما ذهب إليه بعض المتأخرين فوجهه أنه رأى أن الله تعالى إنما أباح التيمم للصحيح عند عدم الماء. فإذا خشي ذوات الوقت متى طلب الماء، حسن أن يقال: إنه غير واجد للماء لعدم القدرة عليه في الوقت الضيق. وعادم القدرة على الشيء غير واجد له. فإذا كان الماء موجودًا وغسل الأعضاء به ممكنًا استحال أن يقال: إنه (١) غير واجد. وإذا استحال ذلك لم يصح التيمم لتعليق إجازته على عدم الوجود.

والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: أما إذا خاف متى استعمل الماء أن يعطش عطشًا يهلكه فلا شك في إباحة التيمم له لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (٢) وقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٣). وأما إن خاف أن يعطش عطشًا يمرضه فإنه يجري على الاختلاف الذي قدمناه في جواز التيمم خوفُ امن حدوث المرض. وأما خوفه تلف آخر (٤) من العطش فإنه يبيح له التيمم أيضًا؛ لأن حرمة نفس غيره كحرمة نفسه. ويتعين على الإنسان صيانة نفس غيره. ويجب ذلك عليه. ولا بدل من ذلك. والوضوء منه بدل وهو التيمم. فتقدمة الواجب الذي لا بدل (٥) منه أولى. وقد قال ابن حبيب بجواز التيمم إذا خاف على غيره الموت أو ضررًا يشبه الموت. وقد قيد القاضي أبو محمَّد كلامه ها هنا بخوف التلف، لما كان خوف الإنسان مرض نفسه فيه الاختلاف الذي قدمناه. وأما خوفه من مرض غيره ففيه نظر. وقوله أو أن يخاف


(١) إنه ساقطة -ح-.
(٢) سورة النساء، الآية: ٢٩.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٩٥.
(٤) أي إنسان آخر.
(٥) الواجب الذي بدل -ح-. الواجب لا بدل -ق-.

<<  <  ج: ص:  >  >>