للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك في ثاني حال ويغلب على ظنه أنه لا يجده ووجهه ما قدمناه. لأنه لا فرق بين أن يخاف التلف من العطش في الحال، أو يخاف ذلك في المستقبل.

بأن يغلب على ظنه بأنه لا يجد ماء (١) يشتريه في المستقبل، وغلبة الظن ها هنا تقوم مقام العلم. ومما يليق بهذا الوضع أن يقال: قد قلتم فيمن معه من الماء قدر ما يذهب به عطشه وإن لم يشربه كفاه الوضوء، إن الحكم إذا خاف التلف التيمم. فما قولكم فيمن معه من الماء ما يذهب (٢) نجاسة بدنه وإن لم يغسل به النجاسة كفاه لوضوئه؟ قيل أما هذا فلا أحفظ الآن في عين هذه المسألة نصًّا لأحد من أصحابنا سوى ما حكاه ابن حبيب عن بعض أصحاب مالك فيمن مسح على خفيه، ثم لحقتها نجاسة وهو في السفر، ولا ماء معه أن ينزع خفيه ويتيمم. فهذه الرواية تشير إلى أن الصلاة بطهارة التيمم مع عدم النجاسة أولى منها بطهارة الماء مع حصول النجاسة. فعلى هذا يغسل نجاسته بالماء وإن نقله ذلك إلى التيمم. وقد يحتمل أن تخرج مسألتنا عن القولين في غسل النجاسة هل هو فرض أو سنة؛ فإن قلنا إن ذلك سنة وأن من صلى بالنجاسة عامدًا أعاد في الوقت كما روي عن أشهب، حسن أن يقال إنه يتوضأ ويكون ذلك أولى من غسل النجاسة. لأن الوضوء مع وجود الماء والقدرة على استعماله فرض، وغسل النجاسة على هذا القول سنة. فالفروض مقدمة على السنن. وإن قلنا: إن غسل النجاسة فرض وإن من صلى بها ناسيًا أعاد أبدًا حسن ها هنا أن يقال إن يتيمم؛ لأنهما فرضان تقابلا. وأحدهما له بدل والآخر لا بدل له وهو غسل النجاسة. وما لا بدل له أولى أن يقدم. ومذهب أصحاب أبي حنيفة استعمال الماء لغسل النجاسة. قالوا لأن بذلك نجمع ما (٣) بين ما تعارض من العبادتين فيطهر النجاسة بالماء ويتطهر للصلاة بالصعيد. وذهب بعض الناس إلى أن الواجب استعمال الماء في طهارة الحدث لكونها أغلظ إذ لا تجوز الصلاة بغير طهارة أصلًا.


(١) ما يشربه -ق-.
(٢) يذهب به -و-ق-.
(٣) ما: ساقطة من -ق-و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>