للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المصلحة على هذا المذهب تسهيل باب الإقرار بالحقوق على الورثة، فإذا علم الوارث أنه لا يؤخذ منه إلا مقدار ما ينوب ميراثه من الدين إذا قسط الدين على ما في يد المقر ويد غيره خف عليه الإقرار وانتصل (١) من هذا الحق. وإذا علم أنه يؤخذ من يديه ما يُستحق عليه منه وما يستحق على بقية الورثة هرب من هذا الإقرار وكان هذا من الدواعي المعينة على جحد الحق. وهذا كما يقال: إن شاهد الزور إذا أقر أنه شهد بالزور لم يعاقب، إذ لو عوقب لم يرجع أحد عن شهادة شهد فيها بالزور، فكانت المصلحة تقتضي رفع حق الله سبحانه ها هنا في العقوبة على شهادة الزور، كما كانت المصلحة تقتضي ألا يؤخذ المقر من الورثة إلا بما ينوبه ويسقط حق المقر له لأجل هذه المصلحة أيضًا. وإن كان الموجود من المال بيد الوارث الذي يعتقد أنه ليس بغاصب له ولا ظالم في جحوده الدين، على ظاهر ما يقول يقدر كأنه موجود لم يقسم فيكون قضاء الدين مقسطا على جميع المال، وعلى ما في يد كل وارث إذا كان جميعهم حضورًا أملياء.

وإذا وجد التقسيط كان الجاحِد من الورثة كأنه انفرد بالظلم من إمساك حق هذا المقرّ له. وقد اعتمد بعض البغداديين من أصحابنا على القياس على الوصية فقال: اتفق على أن أحد الورثة إذا أقر بوصية من أبيه لرجل فإنه لا يؤخذ بجميعها مما في يديه، بل من ثلث ما في يديه، حتى كأن التركة حاضرة لم تقسم، فيكون الثلث مقسطًا على جميعها. وسنتكلم نحن إن شاء الله تعالى على طروء موصىً له على أحد الورثة وكيف تكون مقاسمته له في كتاب القسم.

وعلى هذا الاختلاف جرى الأمر بين ابن القاسم وأشهب في مسألة وارثين شهدا بأن أباهما أعتق عبدًا له معيَّنًا، وهو مقدار ثلث التركة، فردّت شهادتهما للتهمة في جرّ ولأنه، إن كان ممن يرغب في ولأنه، وجازت شهادة الأجنبيين


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: وتنصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>