للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما إن قيد ذلك يكون ما أقرّ به في ذمته من مرض (١) فإن ذلك يقبل منه إذا قيد ذلك بما يقرضه الناس بعضهم لبعض. وأما إن قيد بما الغالب أنه لا يقرضه الناس بعضهم لبعض فقد ذكر ابن سحنون فيمن أقرّ بفلوس وقيدها بأنها الفلوس الكاسدة، وقد ذكر المقر أنجها من قرض فإن أهل العراق وأصحابنا اختلفوا، فقال بعضهم من هؤلاء وهؤلاء: لا يقبل ذلك من المقر، وقال بعضهم: بل يقبل ذلك من المقر. فأطلق هؤلاء قبول الإقرار ولم يشترطوا فيه كون القرض مِمّا يشبه أو لا يشبه. وهذا لأن الأصل براءة الذمة للمقر، والقرض ليس بمعاوضة تجري العوائد بضبطها بأجناس وصفات، ولهذا قبل ذلك منه.

ولو وصل الإقرارَ بقوله: وديعة، ثم ذكر بعد ذلك أنها زيوف وبهارج لقبل ذلك منه، بخلاف لو قيد الإقرار بكونها غصبًا ثم ذكر أنها زيوف أو بهارج فإنه لا يقبلَ ذلك منه. واعتل ابن سحنون بأن المقر بغصب الدنانير ذكر وجهًا يوجبها في ذمته، بخلاف المقر بوديعة لأن الأصل براءة ذمة المودعَ مما أقر به، والأصل في الغصب وغيره من قرض أو بيع كون ما أقر به في الذمة، فلهذا يقبل من المقر بالوديعة ما فسر إقراره به من كون الدنانير المودعة من الدنانير الزائفة أو البهارج، ولا يقبل قوله إن فسرها رُصاصًا أو ستوقة. وحكى عن أبيه أنه لا فرق في هذه الأوصاف من قول المقر: إنها ستوقة أو رصاص أو زيوف أو بهارج، إلا أن يصفها بما لا ينطلق عليه اسم دراهم، مثل أن يقول: إنها رصاص محض غير مخلوط بفضة، فإن ذلك لا يقبل منه لإبطاله حقيقة الاسم الذي أقر به.

ولو كان تقييد المقر بما أقر به غيرَ متصل بإقراره، بل بعد فَتْرة، فزعم أن الدنانير التي أقر بها زيوفًا أو بهارج أو ناقصة عن الوزن المعتاد في البلد الذي أقر به، فإن ذلك لا يقبل منه لكونه عاري الذمة، فيستصحب براءة ذمته وعُرُوّها عن المطالب فلا يثبت عليه إلا بأمر لا إشك الذيه، على حسب ما حكيناه مما


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: قَرْض.

<<  <  ج: ص:  >  >>