الله عن الإِسلام خيرا وفك رِهانك كما فككت رهان أخيك" (١) الحديث.
وأما سبب الاختلاف في هذه المسألة من جهة الاعتبار فإن أبا حنيفة يرى أن الدين لا بدّ له من محل، ومحله الذمة أو عين مال، وذمة الميت قد هلكت وتلفت بتلف صاحبها، لأن الذمة وصف من أوصاف الإنسان الحي، وإذا ذهبت الحياة ذهبت الذمة، وهو لم يترك عين مالي يقضى منه دينه. فلما استحال تصور محل الدين في حق الميت المفلس استحال توجه الدين عليه فاقتضى ذلك سقوطه عنه، والساقط لا تصح الحمالة به. وهذه عمدة القوم.
ونحن نعتمد على أن الإبراء منه يصح، والتبرع بالقضاء يصح أيضًا. فلولا كون هذا الدين ثابتا لم يصح التبرع بقضائه ولا الإبراء منه.
ونعتمد أيضًا على الاتفاق على أنه لو كانت الحمالة في حال الحياة ثم مات الغريم فقيرًا لم تسقط الحمالة. فلو كان الأمر كما قال أبو حنيفة إن الموت يسقط الدين إذا لم يترك الميت مالًا، لسقطت الحمالة التي كانت في حياة الميت؛ لأن الحمالة تبع لثبوت الدين وفرع عنه، فإذا سقط الأصل سقطت فروعه وما يتبعه. ألا ترى أن من تكفل بصداق امرأة فارتدت قبل الدخول سقط صداقها بارتدادها أن الكفالة به ساقطة أيضًا لما سقط الأصل سقط الفرع.
وهم ينفصلون عن الإبراء والتطوع بقضاء الدين أن المراد بذلك سقوط الإثم عنه في الآخرة.
ونحن نقول: بل حصول الإثم يدل على أنه لم يسقط وهم يقولون جوابا عن هذا: الآثام من حقوق الآخرة والديون من حقوق المعاملات في الدنيا، ونحن إنما أسقطنا عنه الدين في الدنيا لأنه ميت، وفي الآخرة يصير حيًّا، والحي تتوجه إليه المطالبة. والموتة التي بين الحياتين: حياة الدنيا وحياة الآخرة تجري عليه فيها أجكام الآخرة كما تجري عليه أحكام