للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهم يدافعون هذا بأن هذه ليست بحمالة، وإنما هو كالعِدَة وكالتبرع والتطوع بقضاء حق عن آخر، من غير أن يكون كفيلا به

وظاهر سياق الحديث يقتضى خلاف ما تأولوه لأنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من الصلاة على هذا الميت. فلما قال أبو قتادة: عليّ دينه صلى عليه. فلولا أن هذه حمالة لم يصل عليه لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - في أول الإِسلام لا يصلي على من مات وعليه دين، وما ذلك إلا تحضيضا على الوفاء بالديون.

وأيضًا فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت تقتضي الغفران للميت وتحجزه عن النار" (١).

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "نفس المؤمن مرتهنة بدينه حتى يقضى عنه" (٢) فكأنه إذا كان مرتهنًا بدينه كالمحجوز عن الجنة، فصارت صلاته كالمنافية لما قال. وقد قال لما صلى على السوداء التي كانت تَقُمّ المسجد: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله نورها بصلاتي عليهم" (٣)، فلما فتح الله الفتوح قضى الديون عن الغرماء، فقال: من ترك مالًا فلورثته ومن ترك كلًّا فعليّ" (٤).

وهذا الذي رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع وإن لم يكن نصا في الحمالة فقد روى الحديث، جابر فقال فيه: "مات وعليه ديناران فتحملها أبو قتادة فقال - صلى الله عليه وسلم -: هي عليك والغريم منها بريء" (٥) فهذه الرواية قد صرح فيها بلفظ الحمالة فلا مطمع لهم في تأويلها على غير الحمالة.

وهكذا روي أيضًا "أن رجلًا مات وعليه درهمان فلم يصل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال علي رضي الله عنه: هي عليّ فصلى علمه، وقال له عليه السلام: جزاك


(١)
(٢) البيهقي: السنن الكبرى: ٦/ ٧٥. الترمذي: الجامع الكبير: ٢/ ٣٧٥
(٣) فتح الباري: ٣/ ٤٤٨ - البيهقي: السنن الكبرى: ٤/ ٤٦، ٤٧، ٤٨
(٤) مسلم: إكمال الإكمال: ٤: ٣٢٤
(٥) البيهقي: السنن الكبرى: ٦/ ٧٥

<<  <  ج: ص:  >  >>