والثالث اشتراط المعرفة فيمن يتحمل له لأن المعاملة انحصرت بين الحميل وبينه ولا يشترط معرفة من تحمل عنه.
والجواب عن السؤال الخامس أن يقال:
اعلم أن الحقوق المتحمل بها تتنوع أنواعها:
فمنها حمالة بحقوق تتعلق بالأبدان، وهي حقوق الله سبحانه، كالحد في الزني وشرب الخمر والقطع في السرقة، فهذا لا تجوز الحمالة به، إذ لا يجوز أن ينوب فيه أحد عن أحد، فيشرب رجل الخمر ويقوم الآخر بدلا عنه.
وكذلك في حقوق الخلق المعلقة بالأيدان، كرجل قتل رجلًا أو قطع يده عمدًا، فيقول آخر، اقتصوا مني بدلا منه.
ولو كانت الحدود التي هي من حقوق الله سبحانه إنما تثبت بالإقرار لكان التكفل بالطالب للمقر جائزًا على القول عندنا: إن للمقر الرجوع عن اقراره وإن لم يظهر له عذر، وعلى القول بأن هروبه كالرجوع عن الإقرار. واختلفت الرواية في حديث العامرية: هل كفل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أقرت بالزنى وهي حامل حتى تضع حملها أو لم يكفل؟ وذلك جار على ما نبهنا عليه من هروب المقر ورجوعه عن اعترافه.
وأما الحقوق المالية فإنها أيضًا تنقسم على أقسام: فمنها حق واجب لازم استقر وجوبه ولزومه كأروش الجنايات وقيم المتلفات، وأثمان السلع بعد قبضها، وصداق الزوجة بعد الدخول بها، فلا خفاء بجواز الحمالة بها. وكذلك لو كانت عقودًا لازمة ولكنها قد يطرأ عليها ما يسقط اللزوم، كصداق الزوجة قبل الدخول بها، فإنها قد ترتدّ فيسقط جفيعه، أو تطلق فيسقط نصفه. وأثمان الاجارات قبل استيفاء المنافع، فإن الدار المكتراة قد تتهدم فيسقط الكراء والعبد المستأجر قد يموت فتبطل الإجارة، فهذا أيضًا قد تصح الحمالة به.