للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها ما ليس بعقد لازم كالجعالة على مذهب من رأى أن الجّعل لا يلزم بالعقد كقوله: إن جئتني بعبدي الآبق ذلك عشرة دنانير، فإن هذا تصح الحمالة به أيضًا قبل المجيء بالآبق، فإن جاء به لزم الحميلَ ما تحمل به وإن لم يأت به سقطت الحمالة. ولأصحاب الشافعي في هذا القسم قولان: أحدهما الجواز لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (١)، فهذه كفالة بالجعالة.

والقول الآخر أن ذلك لا يجوز، لأن الثمن في الجعالة ليس بدين ثابت لإمكان الرجوع عن العقد على طريقة من ذهب لذلك، وإنما تصح الحمالة بما ثبت من الديون، ألا ترى أن الكتابة لا تصح الحمالة بها لما كانت ليست بدين ثابت على المكاتب، والحميل يحل محل المتحمل عنه، فإذا كان الدين ليس بثابت عدى الأصل فأحرى ألا يكون ثابتا على من هو فرع عنه وتبع له وهو الحميل.

وينفصل هؤلاء عما في هذه الآية -على القول بأنا متعبدون يشرع من كان قبلنا- بأن الحمالة ها هنا ليست مما يراد بها التزام المنادي بهذا الحق نيابة عن الملك، وإنما ورد هذا مورد التأكيد بأن الملك قال هذا الذي نادى به المنادي.

وقد خرج بعض الأشياخ قولًا بجواز الحمالة بالكتابة من قول أشهب فيمن قال لرجل: كاتب عبدك وعليّ مائة دينار. فإن هذا يجوز. فيتخرج من هذا جواز الحمالة بالكتابة لأن الحمالة بالكتابة عند من خرج هذا إنما منعت لأن المقصود من الحميل حصول العتق للمكاتب فإذا عجز ولم يحصل له العتق وجب بطلان الحمالة فبطلت من الأول.

وهذا التخريج قد يقال فيه: إن من كاتب عبده على أن أعطاه حميلا بالكتابة، فقد اعطاه حميلًا بدين قد لا يثبت، فلم يصح ذلك لما قدمناه.

وهاهنا في مسألة أشهب إنما دفع إليه مالًا على أن يستأنف الكتابة ويرفع حقه في بيع العبد.


(١) يوسف: ٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>