للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بما تعامله به، فإنه يمكّن من الرجوع عن ذلك لكون هذا لم يلتزم ما قد وجب وإنما التزم ما سيجب، والرجوع عن الشيء قبل وجوبه بخلاف (١) الرجوع عنه بعد وجوبه.

وقد اختلف المذهب فيمن وعد رجلا أن يعطيه مائة دينار في المستقبل ثم امتنع من أن يعطيه، فقيل: يقضى عليه بها، وقيل: لا يقضى عليه بها، وقيل: إذا كان الوعد له سبب قضي به، وإذا كان لا سبب له لم يقض به.

وهذا إذا رجع الكفيل قبل المعاملة. وأما إن رجع بعد وقوع المعاملة فلا ينفعه ذلك، ولا تسقط عنه الغرامة، لأن من أدخل رجلا في إتلاف مال لزمه ما أدخله فيه.

وقد أشار بعض أشياخي إلى أن التمكن من الرجوع قبل المعاملة إنما يُمكّن منه إذا أطلق القول بالحمالة فقال: عاملْه وأنا كفيل لك بما تعامله به.

وأما إن قيّد فقال: عامله بمائة دينار وأنا كفيل لك بها، فإنه لا يمكن من الرجوع عن ذلك وإن لم تقع المعاملة، لكون المسِمّي مائةَ دينار حَدَّ غايةً معلومة ينتهي إليها. ومن أطلق ولم يحدّ فليس هناك غاية تطلب، فلا يمنع من الرجوع فيها. ألا ترى أن من أكرى داره سنة لزم هذا العقد بالقول لهما جميعًا.

ولو أكراها كل شهر بدينار لكان لكل واحد منهما الرجوع فيما يستقبل من السكنى لما لم تكن غاية يُنتهَى إليها. واعتمد أيضاً على ما وقع في المدونة فيمن أعار أرضه رجلًا يغرس فيها ويبني وحدَّ أجلًا معلوما، فليس له الرجوع، وإن لم يحدّ أجلا فله الرجوع على ما ذكره في المدونة، واشترط فيه، ولا فرق إلا ثبوت العارية وتحديدها وانتفاؤها (٢).

وقد كان بعض الأشياخ يجري هذه المسألة على اختلاف القول في الهبة:


(١) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: خلاف
(٢) هكذا في النسختين، ولعل الصواب: وانتفاؤه.

<<  <  ج: ص:  >  >>