وأمّا لو قال: ما بقي لي عليهما شيء، ثم قال، بعد ذلك، لما سئل: فلان منهما هو الذي دفع ذلك إليّ، فإن ابن القاسم أطلق الجواب فقال: صاحب الحق شاهد، فإذا كان عدلًا حلف معه من أقرَّ له، واستحق الرجوع على صاحبه. ولم يقتد قولَه هذا يكون المقِر عيَّن مَن دفع إليه متصلًا بقوله الأول أو منفصلًا. فكأنه أشار بهذا إلى أن قوله ما بقي لي عليهما شيء. ظاهر هذا القول يقتضي أنهما جميعًا دفعا إليه, لأن أصل الدين عليهما جميعًا وإنما شرط الطالب لهما أن يطلب من شاء منهما فكأنه إذا أخذ منه الجميعَ فقد أخذ نصف ذلك عن الدين الذي على الدافع إليه والنصف الآخر بالحمالة عن صاحبه، والأصل أن الإنسان إنما يُطلب بما عليه في نفسه. وقوله بعد الانفصال من قوله الأول: فُلانٌ منهما هو الدافع، فكأنه كالرجوع عن مقتضى قوله الأول، وقد اقتضى قوله الأول كونَ الدفع منهما جميعًا، فيكون على مقتضى هذا التعليل بريان جميعًا من طلبه إذا لم يكن يعينه لأحدهما نسقًا بقوله الأول. فإذا لم يحضر كل واحد منهما دفع صاحبه وحلف لمن أنكر أن يكون هو الدافعَ إليه، وحلف أيضًا هذا الذي أنكرهُ أن يكون دفع إليه على أنه دفع إليه ما ينوبه بحسب ما اقتضاه كلامه الأول. (ويرى ولا رجوع لأحد الغريمين على صاحبه إذا وقعت الأيْمان بينهما)(١) وإذا كان الكلام والتعيين متصلًا بقوله الأول، ولم يكن عدلًا، حلف كل واحد من الغريمين لصاحبه. وإن كان عدلًا قُبلت شهادته في التعيين لارتفاع التهمة عنه في شهادته إذا اتفقا على أنه لم يقبض سوى مائة واحدة. فصار محصول قوله أنه شهد يكون أحدهما استحق أن يرجع على صاحبه بنصف الذي قضاه عنه. وإذا لم يتفقا على ذلك صار كل واحد منهما مدعًى عليه فلا تقبل شهادته عليه. وإذا لم يكن الكلام منسوقًا أعطى الجملة الأولى وهي قوله: ما بقي لي عليكما شيء أظهر محتمليها عنده وهو كون الدفع منهما جميعًا.