ويتأيد هذا بما ذكره أحمد أمين: كان الشافعية مشهورين بالشغب والتألب على خصومهم (١).
فالقاضي عبد الوهاب كان قوي الحجة. ظاهر البيان. لا يجبن من تخطئة صاحب أي قول لم يتبين له صحة نظره. فجرى على لسانه ما لا يرضى عنه بعض المتعصبين من الشافعية، في الوقت الذي كانت فيه السلطة السياسية تساندهم مساندة قوية، لما كان الخليفة القادر من كبار علمائهم. وقد كان من آثار هذا التعصب أن قضي على المذهب المالكي في العراق، بعد أن أسند القضاء في مدنه وفي بغداد ذاتها إلى قضاة متفقهين بمذهب مالك. وبعد ما كان جهابذة من علمائه مواصلين للسند العلمي في جميع الاختصاصات ببغداد والبصرة والكوفة وغيرها من الأمصار العراقية، تتخرج على طريقتهم الأجيال المتعاقبة وينفذون به الأحكام القضائية، ويحلون به مشاكل المسلمين السائلين بالفتوى. فخرج منها خائفُ ايترقب متسترًا غير مشيع لا من أصحاب المحابر ولا من الطلبة. ولعله توجه لأداء فريضة الحج.
وجه اختياره لمصر:
الرسالة التي وجهها القاضي إلى صاحب مصر الفاطمي بعد أن أتم حجه تصرح بأنه كتبها إليه من أرض مصر = كتابي إليك من الجب بإزاء مصرك = فهو لم يعد إلى العراق لما كنا رجحناه من خوفه على حياته من المتعصبين. وفيها أيضًا اختبار لصاحب مصر ليطمئن هل إن الدولة ما زالت في سياستها التي أخذت بها بعد دخولها إلى مصر من مصانعة المالكية واعتمادهم في القضاء فكان الجواب باعث اطمئنان.
ومن ناحية أخرى فإن المغاربة الذين كانوا بمصر يودون لو تعززوا بالقاضي. ولذلك لما قدم عليهم وصلوه بمال كثير -وتزوج- وولي القضاء.
وما إن صفت له الأيام ووالت بالسعد والإقبال، واجتمعت حوله القلوب