للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمرة الباقية من نور الشمس بعد غروبها. وقال أبو حنيفة هو البياض الباقي بعد العمرة، ووافق الشافعي مالكًا. لكن المزني من أصحابه وافق أبا حنيفة كما وافق أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة مالكًا. وقد أشار بعض أشياخي إلى أن مالكًا وافق أبا حنيفة أيضًا وتعلق بقول ابن شعبان، إن أكثر قوله إن الشفق العمرة. وهذا يشير إلى أن ابن شعبان يرى أن له قولًا آخر أنه البياض. ويمكن عندي أن يكون ابن شعبان إنما أشار بهذا، لما وقع في سماع ابن القاسم عن مالك أنه قال: أرجو أن تكون العمرة، والبياض أبين. وهذا من (١) مالك إشارة إلى تردده في مذهبه. فلما رأى ابن شعبان هذا التردد، ورأى ما سواه من القول المطلق أنه العمرة، أشار إلى أن أكثر أقواله الإطلاق بالحمرة دون تردد. هذا مما يمكن عندي أن يحمل كلام ابن شعبان عليه، فلا يقطع بصحة ما فهم شيخنا منه، واعلم أن البياض والحمرة يسمى كل واحد منهما شفقًا. ويشير في أنه العمرة قول الشاعر:

وقد تغطت بكمها خجلا ... كالشمس غابت في حمرة الشفق

فإذا ثبت أن النوعين جميعًا يسميان شفقًا (٢). قال أصحابنا نحمله على أولهما أخذًا بأوائل الأسماء وقضاء بالأسبق. وقال أصحاب أبي حنيفة أصل الشفق الرقة، ومنه قولهم الشفقة الرقة، أي رقة المحبة والحنان فيه. فإذا كان هذا أصل هذه التسمية فلا شك أن البياض أرق من العمرة. فإذا كان أحق بمعنى الاشتقاق (٣) كان أحق بالتسمية ووجب حمل ما ورد من الإطلاق عليه.

وقد تنازع الفريقان آية وخبرًا. فأما الآية فقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (٤) فإن كان الدلوك غروب الشمس على ما كنا حكيناه.

وغسق الليل ظلمته. والظلمة إنما تتحقق وتكمل بعد مغيب نور الشمس وجميع


(١) عن مالك -ق-.
(٢) الشفق -و-.
(٣) الاشفاق -و- الانشقاق -ق-.
(٤) سورة الإسراء، الآية: ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>