للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان في صلاة لم يسجد المأموم لئلا يخالف الإِمام *لورود النهي عن مخالفة الإِمام. وهكذا عندي لو قرأ المأموم سجدة لم يسجد على أصلنا لئلا يخالف الإِمام فيه* (١) وبه قال أبو حنيفة. وقال محمَّد بن الحسن يسجدها ومن سمعه إذا فرغوا من صلاتهم. وهذا غير صحيح لأنه وإن تحرز من المخالفة ففيه التأخير للسجود وذلك لا يصح على أصلنا. مع أن قراءته كالتبع لقراءة الإِمام فقدرت كالعدم. فلم توجب سجودًا. وإن كان في غير صلاة ففيه قولان: فقال ابن القاسم في المدونة يسجد المستمع. وقال غيره من أصحاب مالك لا يسجد المستمع. واحتج ابن حبيب لهذا القول: بترك سجود المأموم إذا لم يسجد الإِمام. وقد قدمنا أن الصلاة إنما لم يخالف فيها الإِمام لورود النهي عن مخالفة الإِمام. لكن مما يحتج به لهذا القول ما روي أن رجلًا قرأ آية فيها سجدة وهو عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فسجد الرجل وسجد معه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قرأ آخر آية فيها سجدة وهو عند النبي - صلى الله عليه وسلم -. فانتظر الرجل أن يسجد، فلم يسجد فقال الرجل يا رسول الله قرأت السجدة فلم تسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كنتَ إمامًا فلو سجدتَ سجدتُ معك" (٢). ومما يحتج به لابن القاسم أن المستمع خوطب بالسجدة كما خوطب القارئ بها. فإذا اشتركا في الخطاب فيها فلم يمتثله أحدهما فلا يؤمر الآخر بارتكاب النهي لركوب غيره له. ولو كان السامع للقراءة مصليًا سمعها من قارئ غير فصل فإنه لا يسجد عندنا؛ لأنا نشترط في سجوده وهو في غير صلاة أن يكون مستمعًا فكيف به إن كان في صلاة مشتغلًا بعمل آخر. ومن كان في صلاة فليس بمستمع وإن كان سامعًا. وقال الحكم وحماد يسجد. وبه قال النخعي إلا أنه يشترط ألا يكون ساجدًا. وقال ابن سيرين وأبو حنيفة يسجد إذا فرغ من الصلاة. وبنى أبو حنيفة على أصله في السامع يسجد وإن لم يكن مستمعًا. ولا يمكن هذا أن يسجد في الصلاة فأخر إلى بعد الفراغ. وقد نوقض في هذا بأنه يقول إذا قرأ المصدي آية سجدة في الصلاة ودم يسجد فإنه لا يسجد إذا فرغ.


(١) ما بين النجمين = ساقط -و-.
(٢) تقدم: ارواء الغليل ج ٢ ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>