للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعي، ومنع أبو حنيفة من الجمع إلا بعرفة والمزدلفة. وقد وقع في المذهب عندنا الكراهية. فقال مالك في العتبية: أكره جمع الصلاتين في السفر. قال بعض المتأخرين: محمله على جهة إيثار الأفضل لئلا يتسهل فيه من لا يشق عليه. وقال أيضًا إذا ارتحل المسافرون عند الزوال فلا يجمعون. قيل معناه إذا كان نزولهم عند الغروب. وقال في كتاب ابن شعبان يكره الجمع في السفر للرجال ويرخص فيه للنساء. وسبب الاختلاف في هذا أن أحاديث الأوقات وبيانها ثابت مشتهر (١)، وفي بعضها ألفاظ تدل على الحصر على ما ذكر ونفي ما سواه من الوقت. كقوله وقت الظهر ما لم تحضر العصر إلى غير ذلك مما قدمنا ذكره من الأحاديث وهذا ينفي الجمع. وقد تواتر الجمع بعرفة والمزدلفة منقولًا بالعمل في سائر الأعصار ووردت أحاديث بجمعه عليه الصلاة والسلام في السفر سنذكر نصوصها فيما بعد. وهذا يبيح الجمع. فايّ الأمرين أولى أن يؤخذ به؟ فرأى مالك والشافعي أن أحاديث الأوقات عمومات خص منها السفر بما ذكرناه من جمعه عليه الصلاة والسلام في السفر. وأفاد هذا التخصيص الاشتراك في الحضر أو (٢) لم يفده على الاختلاف في ذلك ورأيا أن جمع الحجيج معلل في عرفة بمشقة الشغل الملهي عن الصلاة لأنهم في حط رحال وإقبال على دعوات وابتهال فصار ذلك عذرًا أباح الجمع. فقيس عليه المسافر فإنه ربما كانت حاجته للجمع أشد، وأيضًا الجمع بالمزدلفة لمشقة الاشتغال بالإفاضة إلى غير ذلك من المشاق المذكررة في هذا. فصار ذلك عذرًا أيضًا أباح الجمع. ورأى أبو حنيفة أن أحاديث الأوقات أولى أن تتبع لاشتهارها وكثرتها وكونها أقوالًا وأفعالًا، وجمع الحجيج لا يراه معللًا. لاذا لم يكن لم يقس عليه. وأخبار جمعه عليه الصلاة والسلام يتأولها على أنه جمع بينهما فعلًا لا وقتًا. وهو يحيى الجمع فعلًا كما قدمناه عنه. ويؤكد هذا بأنه روي عن أنس أنه جمع بينهما فعلًا. ثم قال هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقول ابن مسعود ما صلى عليه الصلاة والسلام صلاة قبل ميقاتها الإ صلاتين صلاة العصر بعرفة وصلاة الفجر بالمزدلفة، فإنه قد


(١) ثابتة مشتهرة -و-.
(٢) إذ -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>