إذ الشيخ لا يهتم في شرحه هذا إلا بتحقيق مذهب مالك. ولا يتعرض للمدارس الفقهية الأخرى. كما أن لا يعني بالربط بين الفرع الفقهي ودليله. وبطريقة الاستنباط منه. ولذا فإن السند العلمي والتعليمي قد انقطع بعد الإِمام المازري. وهذا ما أخذ به العلامة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون. يقول: "وذلك أن القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس. واستبحر عمرانهما، وكان فيهما للعلوم والصنائع أسواق نافقة وبحور زاخرة، ورسخ فيهما التعليم لامتداد عصورهما، وما كان فيهما من الحضارة. فلما خربتا انقطع التعليم عن المغرب إلا قليلًا كان في دولة الموحدين بمراكش مستفادًا منها، ولم ترسخ الحضارة بمراكش لبداوة الدولة الموحدية في أولها وقرب عهد انقراضها بمبدئها، فلم تتصل فيها أحوال الحضارة إلا في الأقل. وبعد انقراض الدولة بمراكش ارتحل إلى المشرق من إفريقية القاضي أبو القاسم بن زيتون لعهد أواسط المائة السابعة فأدرك تلاميذ الإِمام ابن الخطيب، فأخذ عنهم ولقن تعليمهم وحذق في العقليات والنقليات ورجع إلى تونس بعلم كثير وتعليم حسن، وجاء على أثره من المشرق أبو عبد الله بن شعيب الدكالي كان ارتحل إليه من المغرب، فأخذ عن مشيخة مصر. ورجع إلى تونس واستقر بها وكان تعليمه مفيدًا. فأخذ عنهما أهل تونس واتصل سند تعليمهما في تلاميذهما جيلًا بعد جيل حتى انتهى إلى القاضي محمَّد بن عبد السلام شارح ابن الحاجب وتلميذه (١).
فالواقع التاريخي ونص ابن خلدون يثبتان أن المازري كان يمثل نهاية عصر. اضطربت بعده الأمور واختل الأمن وتغلب النصارى على الدولة. وتحكموا في البلاد. ثم جاءت الدولة الموحدية بقوة شابة مندفعة فخلصت البلاد من الاحتلال النصراني. إلا أنها لتوغلها في البداوة عند انطلاقها ولقصر عمرهالأولمقاومتها للمذهب المالكي اجتمعت هذه العوامل لتعمق القطيعة بين طريقة التعليم كما بلغت أوجها على يدي الإِمام المازري وبين الوضع الذي كان عليه التعليم عند قيام الدولة الحفصية.
(١) المقدمة ص ٤٣١ الفصل الثاني في أن التعليم من جملة الصنائع.