للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس وابن عمر وأنس رضي الله عنهم أن الرعاف لا يمنع البناء. قال القاضي أبو محمَّد ولا مخالف لهم. وأشار إلى أنها صارت كمسألة إجماع من الصحابة.

وإذا جاز البناء فإنه رخصة. والأفضل عند مالك أن يقطع ويستأنف، ولمالك في المجموعة: "ولولا ما قالت العلماء يبنى في الرعاف لرأيت أن يتكلم ويبتدىء. ولكن الشأن ما مضوا عليه. قيل فإن اختار الراعف أن يتكلم ويبتدىء. قال فلا بأس بذلك. وظاهر هذه الرواية أن القطع ليس بأفضل فإن اختار القطع وتكلم قبل أن يبتدىء الصلاة صحت صلاته. وإن ابتدأ من غير أن يتكلم فقال ابن القاسم يعيد الصلاة. قال ابن حبيب: كمن زاد في صلاته تعمدًا" (١). وكأنه رأى أن التمادي، لما كان جائزًا له ولم يحصل منه مما يضاد الصلاة ما يكون قاطعًا لها، وإنما حصل منه مجرد النية للقطع، لم يعدّ قاطعًا، وصار فيما يفعله كزائد في الصلاة تعمدًا. وقد كنا تكلمنا على تحويل النية في الصلاة عند ذكر القاضي أبي محمَّد في مفسدات الصلاة قطع النية عنها. فمن أحب تحقيق القول في هذا فليقف عليه هناك.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: الدم القاطر من أنف المصلي لا يخلو أن يكون لا يرجو انقطاعه إذا انصرف لغسله أو يرجو ذلك. فإن كان لا يرجو انقطاعه إذا انصرف لعادة علمها من نفسه، فإنه لا ينصرف. ويكفه ما استطاع ويمضي على صلاته. وقد قال ابن المسيب فيمن رعف فلم ينقطع عنه الدم أتم صلاته إيماء. وقاله مالك أيضًا. قال ابن مسلمة إنما أومأ لأنه إن سجد أضر به ذلك وكثر عليه الدم، فجاز الإيماء للضرورة كمن برأسه صداع يمنعه من السجود. وقال ابن حبيب ليس عليه أن يركع ويسجد ويقوم ويقعد فيتلطخ بالدم. فأشار ابن مسلمة إلى أن العلة ضرورة المرض وما في معناه. وأشار ابن حبيب إلى أن العلة صيانة الثوب والبدن عن التلطخ بالدم فيمكن أن يكون ابن حبيب رأى أنه إذا ركع وسجد تلطخ بالدم، فصار حاملًا للنجاسة. وإذا لم يفعل


(١) متعمدًا - قث.

<<  <  ج: ص:  >  >>