للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صار الانتظار طاعة لله عَزَّ وَجَلَّ، ولم تخرج الصلاة كلها عن إخلاصها لله تعالى.

ووجه القول بالانتظار ما فعله - صلى الله عليه وسلم - من الانتظار في صلاة الخوف من انتظار الطائفة الثانية بمقدار قضاء الأولى وإتيان الثانية. وهذا أيضًا قد يقال فيها أنها صلاة خرجت عن الأصل لجواز خروج الطائفة الأولى من الإمامة. ولكن إن خرجت عن الأصل بخروج الطائفة الأولى، فلهؤلاء أن يقولوا الانتظار لا خروج فيه عن الأصل فاستدل بفعله عليه الصلاة والسلام.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: الدليل على أن السترة بين يدي المصلي مشروعة ما ثبت من أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر أو خرج إلى العيدين ركزت له الحربة أو العَنَزة فيصلي إليها وأنه كان يصلي إلى بعيره (١). وقال - صلى الله عليه وسلم - يستر المصلي مثل مؤخرة الرَّحْل يجعله بين يديه (٢). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن من سترته فإن الشيطان يمر بينه وبينها (٣). وقوله إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه وليَدْرَأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (٤). قيل يمكن أن يكون المراد بقوله فليقاتله أي فليلعنه.

والمقاتلة قد تكون في اللغة والشرع بمعنى اللعن. قال الله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} (٥).

معناه لعن الخراصون. وقال: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (٦). قيل معناه لعنهم الله. وقد يكون المراد تأنيبه على ما فعل بعد تمام الصلاة. وقد قيل معناه فليدفعه دفعًا أشد من الدرء مُنكِرًا عليه ومغلظًا. ويسمى ذلك مقاتلة على سبيل المبالغة. وإنما احتيج إلى تأويل الحديث لأجل الإجماع على أنه لا يجوز له أن يقاتله المقاتلة المفسدة للصلاة. وقد قال مالك يمنعه بالمعروف. وقال أشهب إذا مر بين يديه شيء في بعد منه فليرده بالإشارة ولا يمش إليه. فإن فعل وإلا تركه. وإن قرب منه ولم يفعل فلا ينازعه. فإن ذلك المشي أشد من مرّهِ. فإن


(١) معالم السنن ج ١ ص ٣٤٠ حديث ٦٥٧ - ٦٦٠.
(٢) نصب الراية ج ٢ ص ٨١.
(٣) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان. نصب الراية ج ٢ ص ٨٣.
(٤) رواه البخاري. فتح الباري ج ٢ ص ١٣٢.
(٥) سورة الذاريات، الآية: ١٠.
(٦) سورة التربة، الآية: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>