للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان له بها أرض وأهل. فتأول أنه غير مسافر. وقيل أنه تأول أنه أمير المؤمنين فحيث ما كان من البلاد فهو في عمله. وقيل إنما أتم لأنه كان معه الجند والأعراب ومن لا يعقل فخاف أن يعتقدوا أن الصلاة عددها ركعتان لا أكثر.

وقيل تأول أن القصر إنما هو لمن يناله تعب السفر دون الترفه. وقال الزهري: بلغني أن عثمان إنما أتم لأنه أزمع المقام بعد الحج فلعله يريد أزمع المقام أربعة أيام لضرورة دعته إلى ذلك. وقد قال ابن عمر صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين في السفر حتى قبضه الله تعالى. قال بعضهم هذه إشارة منه إلى أن عثمان رأى مكانه مكانًا يمنع القصر. وإنما يصح هذا بأن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم بمكة قبل الخروج إلى مني مدة توجب الإتمام. وأقام عثمان بها مدة توجب الإتمام، واعتقد أن مسافة الخروج إلى عرفة إذا انفصلت مما قبلها من السفر لا تبيح القصر. وهذا اعتذار بمقام قبل الخروج خلاف اعتذار الزهري بمقام بعد الخروج. وهذا التأويل بأن الإقامة قبل الخروج إلى مني تمنع القصر إنما يذكر على جهة إمكان أن يكون ذهب إليه (١). وإلا فالمكي يقصر بمنى وعرفة وإن لم يكن بينه وبينها ما يوجب القصر. وعلل ذلك بأن عمل الحاج لا ينقضي إلا في أكثر من يوم وليلة مع الانتقال اللازم فيه. والمشي من موضع إلى موضع لا يوجب الإخلال به فجرى ذلك مجرى مشي الأربعة برد. ولا يلزم عليه التنقل من موضع إلى موضع في مسافة قصيرة لأن ذلك لا يلزم بالشروع (٢). وهذا تنقل لازم فكان حكمه حكم السير المتصل. وعلل أيضًا بأن الخارج من مكة إلى عرفة أنه لا بد له من الرجوع إلى مكة بحكم الشرع فصار في مجموع السير والرجوع مقدار ما تقصر فيه الصلاة ولا يلزم على هذا من خرج إلى خمسة وعشرين ميلًا قاصدًا إذا بلغها أن يرجع إلى حيث خرج منه. لأن رجوعه هناك ليس بلازم. وفي الحج الرجوع لازم. فكان السير والرجوع يقدران تقدير سير واحد في جهة واحدة. ولعلنا أن نبسط هذا في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.


(١) إليه = ساقطة -و-.
(٢) بالشرع - قل.

<<  <  ج: ص:  >  >>