للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشبعنا الكلام على الآية بما (١) كتب التفسير والمعاني أولى به. لأنا لما رأيناها يكثر دورها على ألسنة الفقهاء ويكئر استدلالهم بها أحببنا أن نُطلع الفقيه على جميع ما قاله أهل المعاني فيها ونذكر له سبب اختلافهم ليصير إلى ما يصير إليه من المذاهب على بصيرة. على أنا أوردناها إيرادًا لم أقف عليه لأحد من المصنفين وفيه غاية الإيضاح لما يتعلق من القول بها. ومما يحتج به من قال إن القصر ليس بفرض.

أن المفهوم من الشريعة أن القصر إنما شرع لتخفيف كلف السفر. ولهذا اعتبر فيه مبلغ سياق. وإن كان فهم ذلك عن الشريعة فيما يكاد أن يلحق بالنصوص كان التخفيف موكولًا إلى رأى المخفف عنه. لأن التخفيف والمسامحة والتسهيل كمناقض العزيمة والختم. وهكذا جرى الأمر في رخص الشريعة من فطر ومسح على الخفين وغير ذلك. وأيضًا فإن أصل الوقت يقتضي أربعًا والسفر سبب القصر. وقد وجه لا على معنى أنه الأولى. ألا تري أن المسافر يلزمه أربع إذا اقتدي بالمقيم. ولو كان ارتفع حكم الأربع لما لزم الإتمام. فإذا وقع كان السفر سببًا واحدًا يقتضي القصر لا على رفع حكم الأصل، وجب أن لا يكون القصر فرضًا (٢). وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يقصر في السفر ويتم (٣) قال أنس كنا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمنا من يقصر ومنا من يتم فلا يعيب بعضنا على بعض. قال ابن جريج قلت لعطاء أي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتم الصلاة في السفر؟ (٤) فقال: عائشة وسعد ابن أبي وقاص. ولو كان الإتمام غير جائز لما خفي عن هذين وعن غيرهما كحذيفة والمسور وعبد الرحمن بن يغوث. ولا يحسن أن يتأول أنه عليه الصلاة والسلام كان يقصر ويتم على قصر


(١) بما في كتب التفسير -و-.
(٢) أن يكون القصر فرضًا -و-.
(٣) قال ابن القيم لا يصح ونقل عن شيخه ابن تيمية أنه كان يقول أنه كذب على رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -. والحديث أخرجه الدارقطني في السنن ج ٢ ص ١٨٩. وقال عنه إسناده
صحيح. قال الحافظ ابن حجر وقد استنكره أحمد وصحته بعيدة وذكر ابن حجر في
بلوغ المرام رواه ثقات إلا أنه معلول. الهداية ج ٣ ص ٣١٦/ ٣١٧.
(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>