للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساجدون وراكعون. ويكون قوله إن الكافرين كانوا لكم عدوًا مبينًا اعتراض فصل من الكلام في صلاة الخوف بعضه عن بعض. والواو زائدة في قوله وإذا كنتَ.

وكأن تقدير حمل الآية إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إذا كنت فيهم. قال بعضهم وجواب الشرط ها هنا فأقمت لهم الصلاة. ويصح عندي أن يكون جواب الشرط على هذا التأويل فلتقم طائفة منهم معك. وقول من قال فأقمت لهم الصلاة ممكن أيضًا. رحمل هؤلاء الآيتين على جملتين تأويل فيه تعسف.

وإن كان قد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: سأل قوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (١). ثم انقطع الوحى. فلما كان بعد ذلك بحول، غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى الظهر فقال المشركون: لقد أمكنكم هو وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم! فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها، في أثرها. فأنزل الله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى قوله "عذابًا مهينًا". فنزلت صلاة الخوف بكيفيتها. وهذا الخبر يعضد ما قاله هؤلاء من كون الآية مركبة من جملتين وأن قوله إن خفتم ابتداء جملة أخرى.

وقصد بها بيان صلاة الخوف. هكذا ظاهر هذا الخبر وإن كان للآخرين أن يقولوا بأن الشرط يصح أن يعود على ما تقدم وإن تأخر نزوله. وقد يتأخر التخصيص عن المخَصَّص مدة من الزمان. وهذا قد يعترض عليه بأنه، لو كان حكم الأصل ثابتًا في سفر الخوف والأمن فلا يعجب عمر من القصر في سفر الأمن. وقد جاء عموم القرآن به على هذا التأويل. وهذا أيضًا يفتقر إلى الخوض في بحر عظيم من الكلام على أحكام التخصيص، والفرق بينه وبين النسخ. والفرق بين تأخير الاستثناء وما في معناه من ضروب الكلام وما سواه من أنواع التخصيص. والقول في صيغة التعميم إذا لم يوجد له مخصص هل يقطع على تعميمها أم لا؟ والقول في جواز تأخير البيان أو منعه. هذه جمل كلها تستعمل في النظر في هذا التأويل ولا سبيل إلى إيراده ها هنا لا سيما أنا قد


(١) أخرجه ابن جرير عن علي قال سأل قوم من التجار رسول الله. الحديث. الدر المنثور ج ٢ ص ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>