للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا في سفر طاعة. وقد قدمنا مذهب ابن مسعود وداود في هذا. واحتج عطاء بأنه لم يقصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في سبيل الخير فلا يقصر إلا مثله (١). وهذا الذي قاله عطاء انفصل عنه بأنه يقتضي قصر القصر على المواضع التي سافر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأيضًا فإن العودة من هذه الأسفار مباحة والقصر فيها جائز. وفي هذا الانفصال نظر لأن الفعل لا يخص الأماكن وما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكان لا يجب قصره على مكانه. لأن الظاهر أن المكان إنما كان بحكم الحاجة الطبيعية إليه. وهذا على مقتضى الأمور الاتفاقية، حتى ينضم إلى الفعل ما يشعر بتعيين المكان وكون السفر طاعة مما (٢) يقصد إليه، ويبعث عليه، فيصح قصر الحكم على المقصود ولا يلزم أن يقاس عليه ما ليس بمقصود. وكذلك العودة من هذه الأسفار قد تكون طاعة لكون الباعث على العودة أمور دينية. والأولى عندي أن يحتج عليه بعموم الآية وما وقع فيها من المراجعة على حسب ما قدمناه. وأما السفر المكروه وسفر المعصية فقد اختلف في جواز القصر فيهما وما (٣) نحن نتكلم عليه.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما من خرج للسفر المكروه فقال في المدونة: من خرج للصيد للمعيشة على مسيرة أربعة برد قصر. قال ابن القاسم إن خرج متلذذًا فلم أره يستحب له القصر. وقال: أنا لا آمره بالخروج فكيف آمره بقصر الصلاة. قال ابن شعبان: إن قصر الصائد تلذذًا لم يُعد للاختلاف فيه لأن الصيد مباح. وقد أجاز ابن عبد الحكم الصيد للهو.

وأما سفر المعصية، فالمشهور من مذهب مالك منع القصر فيه. وبه قال الشافعي حتى منعه الشافعي من رخص السفر كلها كأكل الميتة عند الضرورة وصلاة النافلة على الراحلة والمسح على الخفين ثلاثة أيام. وروي عن مالك جواز القصر، وبه قال أبو حنيفة. وأما مذهبنا في أكل الميتة فإن ابن حبيب قال: إنما يقصر في سفر جائز، فأما من خرج باغيًا أو عاديًا أو طالبًا لإثم فلا يجوز له القصر كما لا يجوز له الأكل من الميتة عثد الضرورة. قال ابن القصار:


(١) إلا في سبيله -و-.
(٢) فيما -و-.
(٣) هكذا في النسختين ولعل الصواب وها نحن.

<<  <  ج: ص:  >  >>