قال الشيخ أبو الحسن القابسي: ما علمت أحداً ذكر عن مالك عددًا حده تقوم به الجمعة إلا ابن حبيب فإنه قال الثلاثون وما قاربهم عندي جماعة.
كذلك روى مطرف وابن الماجشون عن مالك. فأنت ترى هذه الرواية كيف اتفقت على أنا لا نشترط فيها المصر كما اشترطه أبو حنيفة وإن كان قد قال يحيى بن عمر الذي اجتمع عليه مالك وأصحابه: أن الجمعة لا تقام إلا بثلاثة: المصر والجماعة. والإمام الذي تخاف مخالفته، قال: وأتى قوم عمرو بن العاص فسألوه أن يأذن لهم في الجمعة فقال: هيهات لا يقيم الجمعة إلا من أخذ بالديون وأقام الحدود وأعطى الحقوق. فمتى عدم شيء من هؤلاء لم تكن جمعة. فإن كان أراد بالمصر مراد أبي حنيفة فليس الأمر كما قال من اجتماع مالك وأصحابه على اعتباره. بل وأريناك أن مالكًا وأصحابه قائلون بخلاف ذلك، وأنهم يعتبرون في القرار شرطًا ما، وذكرنا إشارتهم إلى مراعاة ما يمكن الثواء معه. وقد قال عمر بق العزيز إذا كانت قرية عليها أمير جمع بها. وقال مكحول إذا كانت قرية فيها جماعة صلوا الجمعة. وقال أبو ثور الجمعة كسائر الصلوات إلا أن فيها خطبة. وإذا حضر الإِمام وخطب أقيمت الجمعة. فأما أبو ثور هذا فالرد عليه ما قدمناه من اعتبار الشبه بالموضع الذي أقيمت فيه في الأصل، وأنها ليست كسائر الصلوات كما قال. وأما اعتبار عمر بن عبد العزيز الأمير، واعتبار مكحول الجماعة فإن مجرد كل واحد من هذين الوصفين لا تقع به المشابهة بموضع إقامتها في الأصل، فلهذا لم نعتبره. ومهما اتضح بُعْدُ المشابهة فإنا لا نقيم الجمعة. وقد سئل محمَّد بن سحنون عن القرى التي أحدثت فيها المنابر فأنكر ذلك، وقال ومن يجمّع فلا يعيد للاختلاف في ذلك.
ولو كان ذلك واجبًا على أهل هذه القرى لأقامها سحنون إذ وُلي. كما أقامها لأهل قلشانة وسوسة وصفاقس فما أجاز ذلك فيها إلا زحفًا (١). وأنكر ابن سحنون إقامة ابن أبي طالب لها بأولج وفرفورة. وأشار ابن سحنون إلى أتى الأصل الظهر فلا ينتقل عن الأصل إلا عند تحقق الشبه بموضع إقامتها الأصلي.
وقد ذكر عن سحنون أنه لم ير الجمعة على أهل حصن المنستير ولكن لم يكن