للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقيمت على صفات قُصد بتلك الصفات التي خصت بها الجمعة المباهاة وإظهار (١) معالم الشرع، وإذا كان الأمر كذلك ظهرت فائدة تخصيص الشرع لهذه الصلاة باشتراط الجماعة، إذ الواحد الفذ لا تحصل به المباهاة والإظهار (٢). فلو صح أن يقيمها الواحد الفذ بنفسه لبطل المعنى المقصود بها.

وهذا واضح في معنى اشتراط الشرع الجماعة فيها. ولهذا المعنى (٣) خصت بالجهر دون صلوات النهار. لأن الجهر آكد في الإظهار والإشاعة والإسرار ضرب من الإخفاء، والإخفاء ينافي الموضوع الذي قصد بها.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: اختلف الناس في عدد الجماعة التي تنعقد بهم الجمعة، هل هو محدود أم لا؟ والمشهور عندنا أنه ليس بمحدود وإنما المعتبر ما أشار إليه القاضي أبو محمَّد من كونهم عددًا تتقرى بهم قرية. وقيل إن الجماعة محدودة، واختلف الحادّون فيها. فذكر ابن حبيب عن مالك أن الثلاثين بيتًا وما قاربهم جماعة. قال ابن حبيب وهو مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا اجتمع ثلاثون بيتًا (٤). والبيت مسكن الرجل الواحد. وفي مختصر ابن شعبان إذا كانت قرية فيها خمسون رجلًا ومسجد يجمّعون فيه الصلوات (٥) فلا بأس أن يجمّعوا صلاة الخسوف. وهذا يتخرج منه مراعاة هذا العدد في الجمعة، لأن الجمعة أحق باشتراط الجماعة، وباعتبار هذا العدد قال عمر بن عبد العزيز، وقال زيد بن بشر في حصن بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ إن كان فيه خمسون رجلًا فأكثر فليكلموا الوالي ليأمر من يخطب بهم ويجمّع. قال الشيخ أبو الحسن بن القابسي: ما علمت أحدًا ذكر عن مالك عددًا حدّه تقوم به الجمعة إلا ابن حبيب، فإنه قال الثلاثون وما قاربهم عندي جماعة.

كذلك روى مطرف وابن الماجشون عن مالك. وقال أبو حنيفة تنعقد الجمعة


(١) إحضار -و-.
(٢) وإظهار معالم الشرع - قل.
(٣) المعنى = ساقطة -و-.
(٤) تقدم التعليق على هذا الحديث وأنه لم يصح شيء في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٥) يجتمعوا فيه للصلوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>