للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكلام عليهما لتصور الفرق في الجميع تصورًا واحدًا. وقد أشار بعض أشياخي إلى أن سبب الخلاف أن أشهب رأى أن هروبهم عنه وإبطالهم المشاركة له لا تبطل عليهم ماقد صلى بهم ويبقى بركعته حكم الجماعة. كما أن مذهب أشهب أيضًا أن الإِمام إذا أبطل صلاته متعمداً أن صلاة المأمومين لا تفسد إذا لم يقتدوا به بعد القطع. وإذا ثبت لركعته حكم الجماعة صح أن يبني عليها إذا هربوا عنه.

فكانه رأى أن سبب الخلاف استقرار حكم الجماعة موقوفًا فيهما حتى تكمل الصلاة. وهذا لعمري الذي أشار إليه تلويح وإن لم يصرح به لا يبعد الاختلاف فيه على حسب ما كنا قدمنا في كتاب الطهارة من تخريج الاختلاف في الوجه إذا غسل في الطهارة الصغرى، هل يقال ارتفع الحدث عنه أو ارتفاعه عنه موقوف على كمال الطهارة، وهذا المعنى الذي أشار إليه شيخنا قدْ لوَّح به ابن عبدوس لأنه قال في كلامه على هذه المسألة: الجمعة لا تقوم إلا بالجماعة، فلما هربت الجماعة فأبطلت ما قد مضى من صلاتها مع الإِمام صار الإِمام إنما أقام الجمعة وحده. وكذلك لو هرب الإِمام وبقيت الجماعة لبطلت ولم يجزهم أن يبنوا على ما مضى. وعليهم أن يستأنفوا الصلاة من أولها. وهذا الذي قال ابن عبدوس من هروب الإِمام أنه كهروبهم في إبطال الصلاة، لكونه أيضًا مقتضى قول أشهب أنه إذا هرب بعد ركعة لا يبطل عليهم كما لا يبطلون عليه إذا هربوا عنه بعد ركعة.

وقد حكينا من مذهبه أن قطع الإِمام متعمدًا لا يفسد على من خلفه. فإذا كان هذا مذهبه تخرج على قوله أن هروبهم تعمدًا لا يبطل عليهم (١) على حسب ما ذكرناه. وقد قال بعض أصحابنا البغداديين إذا أحدث الإِمام بعد ركعة فأتموا وحدانًا فلا تجزيهم لقدرتهم على الجمع والإمام لا يقدر على ذلك إذا هربوا، كما لو صلوا في صلاة الخوف الجمعة لصقى بكل طائفة ركعة وبنوا وأتموا، لأنهم لا يقدرون إلا على ذلك. فأشار هذا إلى تفرقة بين هروب الإِمام عن الناس أو هروب الناس عنه. ورأى أنه مني قدر على الجمع بالاستخلاف لم تجز الجمعة إلا جمعًا. كما إذا لم يقدر على الجمع بأن أقام الإِمام صلاة الجمعة في


(١) هكذا في النسختين ولعل الصواب عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>