للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يجزه إلا أن يأتي بكلام يكون عند العرب خطبة. وقال ابن عبد الحكم تجزيه لأنه لفظ فيه تعظيم وتكبير لله تعالى وقال الشافعي أقل ما يجزي أن يحمد الله تعالى ويصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويوصي بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ ويقرأ آية من القرآن.

وفي الثانية يحمد الله تعالى ويصلي على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويوصي بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ ويدعو للمؤمنين والمؤمنات.

فأما أبو حنيفة فإنه يتعلق بقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (١). فإطلاق هذا يقتضي جواز الاقتصار على القول سبحان الله والحمد لله. والشافعي يرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل نحوًا (٢) مما قال فجعله بيانًا للأجزاء. ويقول أبو حنيفة بل هو بيان للكمال. ونقول نحن الخطبة يُشار بها في اللغة إلى كلام واقع على نظام مخصوص، فيجب ألا يكتفى إلا بما تقع عليه هذه التسمية. ولو كان كل كلام يسمى خطبة لكان كل أحد خطيبًا (٣). ولا تعلق في أمره - صلى الله عليه وسلم - بتقصير الخطبة، فإن ذلك محمول على النهي عن التطويل والتكثير لا على تقصير يمنع من تسمية الكلام خطبة. وكذلك ما ذكر أن عثمان خطب فارتج عليه فقال: الحمد لله.

فمحمول على خطبة البيعة. ثم لم يقتصر على هذا القدر حتى أضاف إليه ما قال من الكلام. ولو جاز الاقتصار على التسبيح لجاز الاقتصار على القول الله أكبر.

ولا معنى لقولهم إن الخطبة مأخوذة من المخاطبة لأنا قدمنا أن هذه التسمية مقصورة على نظم ولا معنى لقولهم إن الخطبة الثانية من جنس الأولى فلا معنى لتكريرها لأن الركعات والسجدات مكررات، وإن كان قد تماثل ما تكرر منها.

ولا معنى لقولهم لما لم يقيد بعدد دل على أن القصد إيراد ما فيه تعظيم لأن الجماعة معتبرة في هذه الصلاة. وترك تقييدها بعدد لم يسقط وجوب اعتبارها.

وقد اختلف المذهب في الخطبة الثانية فذهب ابن القاسم في كتاب ابن حبيب إلى أنه إذا لم يخطب من الثانية ما له بال لم يجزهم. وحكى ابن حبيب عن بعض أصحابه أنه إن نسي الثانية أو أحصر عنها فالأولى تكفيهم. وقال ابن حبيب لا يلقق فيما تعاصم فيه من الخطبة. وأما ما يقرأ فيها من القرآن فلا بأس


(١) سورة الجمعة، الآية: ٩.
(٢) نحو -و-.
(٣) لفظة واحدة ممحوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>