للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودليلنا على وجوبها أن الله سبحانه أمر بفعل الجمعة وبين - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر بفعله فكان يخطب ولم يترك الخطبة في حال من الأحوال. فدلّ على وجوبها.

وأيضًا ققد قال تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (١). وأول الذكر في الجمعة الخطبة. فيجب حمل هذا الظاهر عليه ولا يعدل به إلى الذكر المفعول في الصلاة. إلا بدليل. وأيضًا فإن الله حرم البيع حين النداء. فلو كانت الخطبة غير واجبة لم يحرم البيع إلا عند الدخول في الصلاة. وأيضًا فإن الله سبحانه قال: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (٢). معناه تخطب. وظاهر هذا التوبيخ على تركه وهو يخطب. والتوبيخ لا يكون إلا على ترك واجب. وأيضاً فإنها أقيمت مقام ركعتين. ألا ترى قول عمر رضي الله عنه: قصرت الصلاة لأجل الخطبة. وإذا كانت أقيمت مقام ركعتين وجب أن تكون فرضًا. ولهذا قال أصحابنا في الإِمام يخطب قبل الزوال ويصلي بعده أنه يعيد الخطبة والصلاة، لما رأوها مقام الركعتين. فراعوا الوقت فيها كما يراعى في الركعتين. وهذا يرد قياس من أنكر الوجوب قياسًا على غيرها من الخطب. لأن هذه الخطبة جعلت عوضاً عن واجب. وغيرها من الخطب لم تجعل عوضاً عن واجب. ولهذا قال سحنون إذا خطب الإِمام جنباً أعادوا الصلاة أبدًا. وسنتكلم على اشتراط الطهارة إن شاء الله تعالى.

والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: اختلف الناس في المقدار الواجب من الخطبة. فذكر القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا أن في مقدار ما يجب من الخطبة روايتين. إحداهما: أنها لا تجزي إلا بما له بال، ويقع عليه اسم خطبة.

والثانية أنه إن سبّح وهلل، أو سبّح فقط فليعد، ما لم يصل. فإن صلى أجزأه. وفي الثمانية عن مطرف إذا تكلم بما قل أو كثر فجمعته جمعة. وقال أبو حنيفة تجزي في الخطبة التحميدة والتسبيحة. وقال صاحباه والمعتبر قدر ما يتعارف أنها (٣) خطبة. ويمتاز عن سائر أنواع الكلام. وقال ابن القاسم إن سبّح أو هلل


(١) سورة الجمعة، الآية: ٩.
(٢) سورة الجمعة، الآية: ١١.
(٣) أنها = سا قطة -و-.

<<  <  ج: ص:  >  >>