للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بدل منه وقد اشتمل ما قدمناه من الروايات على مراعاة الاتصال من عمل الخطبة، ولهذا قال سحنون يبني إن قرب فاشترط في البناء القرب لما كان القريب (١) في معنى المتصل. وقال أشهب إذا خطب في وقت الظهر وصلّى في وقت العصر في الغيم فأحب إلى أن يعيدوا إلا أن يكون ما بين الخطبة والصلاة قريبًا فتجزيهم. فأشار إلى كون الخطبة متصلة بالصلاة أو في حكم المتصل.

وهذا يشير إلى أنها تحل محل الركعتين. فلما كانت الركعتان من حقهما الاتصال بالركعتين الأخريين كانت الخطبة كذلك.

ومن الصفات التي يؤمر الخطيب أن يكون عليها أن يخطب قائمًا. قال ابن حبيب من السنّة أن يخطب قائمًا ويجلس شيئًا في أولها ووسطها. وكان معاوية لما أسنّ جلس في الخطبة الأولى كلها واستأذن الناس في ذلك، وقام في الثانية. ولا ينبغي ذلك. وليقم فيها كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون.

وقال ابن القصار الذي يقوى عندي أن القيام والجلسة واجبان وجوب سنّه فقط.

وقالت الشافعية القيام مع القدرة في الخطبة واجب. وقال أبو حنيفة وأحمد ليس بواجب. وسبب الاختلاف في ذلك كسبب الاختلاف في الطهارة. فمن رأى الخطبة ذكرًا كتكبيرة الإحرام أوجب القيام في الخطبة مع القدرة، كما تجب في تكبيرة الإحرام. ومن رآها ذكرًا لا يشترط فيها استقبال القبلة لم يوجب فيها القيام كالأذان.

وأما الجلسة بين الخطبتين فقد ذكرنا قول ابن القصار: الذي يقوى عندي أن القيام والجلسة واجبان وجوب سنّة فقط. وذكرنا قول ابن حبيب من السنة أن يخطب قائمًا ويجلس شيئًا في أولها ووسطها. فأشار إلى كون الجلوس الأول والثاني من السنّة. وقال أبو حنيفة وأحمد في الجلوس بين الخطبتين أنه مستحب. وقال الشافعي هو واجب، ويعتمد في إيجابه على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلس بين الخطبتين وخطب قائمًا. وقد قال تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (٢). وأفعاله على سبيل القرب تقتضي الوجوب على قول من قال بذلك من أهل الأصول.


(١) القرب - قل.
(٢) سورة الجمعة، الآية: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>