للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويرمي به، فما جاؤوا به على وجهه فهو الحقّ، ولكنهم يرمون فيه ويزيدون" (١). وعن نافع بن جبير ومحمد بن كعب: أمسكت في أيام الفترة، فلما بُعِث نبيّنا عاد الأمر كهيئته (٢)، وقيل: لم تكن النجوم رميت قطّ حتى بُعِث نبيّنا -عليه السلام- (٣).

{اسْتَرَقَ} افتعال من السرقة {شِهَابٌ} شُعْلَة وقبس {مَدَدْنَاهَا} فرشناها بكليتها على وجه الأرض، وقيل: أراد به ضُرِّسَ أبعاضها إلا مكان التقليب فيها، وهي بكليتها كرة مضرّسة يعلو الماء بعضها ويعلو بعضها الماء لإمكان الحرث والنّسل.

{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} تدلّ أن الجبال ثابتة ملتصقة بالأرض غير ثابتة متعلقة عنها، فكانت الرّياح إذا اضطربت اضطرابًا عنيفًا بإفراط ضغط من الفلك عند ابتداء دورة، فأثارت هذه الرياح المضطربة الأرض إثارة قريات (٤) لوط، فتحجّرت أجزاؤها المماسة للنار العلوية بالنفخ، ثم


(١) رواه مسلم (٩١)، وأحمد في مسنده (١٨٨٢).
(٢) ذكر القرطبي (١٩/ ١٤) عن نافع بن جبير وأبيّ بن كعب، كما أورده الشوكاني في "فتح القدير" (٥/ ٤٣٨) عن نافع.
(٣) يدلّ على ذلك - أي على أنها لم ترم حتى بعث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب"، أخرجه البخاري في صحيحه (٢/ ٢١٠)، ومسلم (١/ ٣٣١)، والترمذي (٢/ ١٦٧) وغيرهم. قال ابن الجوزي: وظاهر هذا الحديث أنها لم تكن قبل ذلك. وقال الزجاج: ويدلّ على أنها إنما كانت بعد مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن شعراء العرب الذين يمثلون بالبرق والأشياء المسرعة، لم يوجد في أشعارها ذكر الكواكب المُنْقَضَّة، فلما حدثت بعد مولد نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - استعملت الشعراء ذكرها، فقال ذو الرمَّة:
كَأَنَّة كَوْكَبٌ في إثْرِ عِفْرِيَةٍ ... مسَوَّمٍ في سوادِ الليلِ مُنْقَضِبُ
[زاد المسير (٤/ ٣٨٨)، ديوان ذي الرمّة (ص ٣٦)، مجاز القرآن (٢/ ٩٥)].
(٤) جمع المؤلف - قرية- على قريات غير فصيح فيما يظهر وعلى غير القياس، والأفصح أن تجمع على قُرَى مع أنه على غير قياس. قال بعضهم: لأن ما كان على فعلة من المعتل فبابه أن يْجمع على فِعال بالكسر، مثل: ظِبية وظِباء وركوة ورِكاء.
[المصباح المنير (٢/ ١٥٩)].

<<  <  ج: ص:  >  >>