للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن جهة ثانية فإن الربط بهذه الأشياء لا يحقق الهدف المقصود، وهو استقرار قيمة الديون، لأن ذلك يتوقف على مدى استقرار قيم هذه الأشياء المربوط بها، والمعروف في هذا العصر أن الذهب يتقلب سعره هبوطاً وصعوداً، فقد ذكرت الإحصائيات أن سعر الذهب تعرض في عام ١٩٩٧ ميلادية لهبوط كبير، وصل في مصر إلى ٣٠% ومن الثابت أيضاً أن أسعار العملات تتفاوت من حيث الاستقرار والاضطراب من عملة لأخرى. وعلى فرض استقرار قيم هذه الأشياء فإنه لا يلزم من ذلك استقرار قيمة العملة المربوطة، فقد يستقر ثمن الذهب في بلد ما أو حتى يرتفع ومع ذلك يكون المستوى العام للأسعار متزايداً، ومعنى ذلك هبوط القيمة الحقيقية للنقود (١).

فالأحاديث التي ذكرناها كلها دالة بوضوح على أن التماثل المعتبر في الشريعة إنما هو التماثل في القدر، ولا عبرة بالتفاوت في القيمة، ما دامت الأموال ربوية.

فما دام أن التماثل يتحقق بالكيل، أو الوزن، أو العدد، وهذا غير ممكن في الربط بمستوى الأسعار، وما دام أن أدنى زيادة ممنوعة في الأموال الربوية، بل احتمال عدم التساوي -ليبوسة أحد المبيعين ورطوبة الآخر في المزابنة والمحاقلة - سبب للحرمة، ومبطل للعقد، وهو متحقق في عملية الربط بمستوى الأسعار، لأن المثلية قائمة على التقدير، ولأن من يدفع عشرة آلاف قد يأخذ أحد عشر ألفاً، وإذا كان الفقهاء يمنعون بيع كيلة من التمر بكيلة من التمر، لأنه خلاف معياره الشرعي، حيث بيع بالوزن بدل الكيل، فكيف يقال إن ربط القروض والديون بمستوى الأسعار يتحقق فيه التماثل المطلوب في الأحاديث الشريفة؟.

إن في نصوص الشريعة الصحيحة ما يسد جميع الطرق التي يود أن ينفذ منها أرباب الحيل.


(١) ضبط الحلول المطروحة لمعالجة الآثار التوزيعية للتضخم ص ١٣، للدكتور شوقي دنيا، مطبوع على الآلة الكاتبة.

<<  <   >  >>