بعد عرض أدلة الفريقين، ومناقشتها فالراجح عندي عدم جواز ربط الديون والقروض، ونحوهما بالذهب أو الفضة، أو بعملة من العملات، أو بسلعة من السلع أو بمستوى الأسعار، وذلك لقوة أدلة هذا القول، وسلامتها من الإيراد عليها، ولعدم ثبوت أدلة دعاة الربط أمام المناقشة.
لأن ربط القروض والديون ونحوهما بهذه النقود أو السلع ربا؛ حيث يرد المقترض والمستدين أكثر مما أخذ، إذا كانت نسبة التضخم مرتفعة، أو أقل مما أخذ إذا كانت الحالة الاقتصادية فيها انكماش، فهو مصادم للأحاديث الصحيحة، ومنها: قول رسول الله ﷺ: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟» قال لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله ﷺ:«لَا تَفْعَل، بِعِ الجَمْعَ بالدَّراهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنيبًا»(١) وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث «أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا».
فقد كانت قيمة صاع من الجنيب تساوي صاعين من الجمع، فظن عامل رسول الله ﷺ أن تساويهما في القيمة مبيح لشراء أحدهما بالآخر وإن تفاضلا في المعيار الشرعي، وهو الكيل، فجاء الجواب من رسول الله ﷺ بالنهي عن هذا البيع، وأنه لا يصح إلا بالتماثل في الكيل، أو الوزن، أو العدد، وأنه لا اعتبار بالتساوي في القيمة.
ومن جهة أخرى فهو غير صحيح، لأنه يقوم على التقدير وتقويم السلع، والشريعة الإسلامية تمنع بيع الأموال الربوية بعضها ببعض، إذا كان البيع قائماً
(١) سبق إيراده كاملاً، وتخريجه، وبيان معاني غريبه، انظر: ثالثاً من المبحث الرابع.